تورين شامدين.. شنكال من رماد اليأس إلى شعاع الأمل
تورين شامدين
غلّفت سحب الرماد والنيران الفظيعة الأفق، اجتاحت بقايا غبار التّاريخ الجبل الأشم الواقف في قلب صحراء العدم، الجبل الذي زيّن سقف العتمة الطويلة بنجوم تتلألأ بألوان الحياة، وقلّبت أغبرة الصحراء إلى واحات الزهور.
كان جبل سنجار، هذا العملاق الصامد، مغموراً بألوان الموت، وصدى الدمار يعمق من جراحه. الأرض، التي كانت يوماً مغطاة بألوان الحياة والأنغام، تحوّلت إلى بقعة مغطاة بآثار الدماء والخراب. المنازل، التي كانت ملاذاً للضحك والأمل، صارت مجرد أطلال تنطق بصمتها قصص الألم والفقد، وهياكلها المحترقة تتحدث عن مآسي لم ترو بعد.
قذائف الهاون، التي سقطت كأمطار الموت، أسفرت عن صرخات النساء والأطفال التي ارتفعت في الأفق، تعكس معاناة لا يمكن وصفها. كل صرخة كانت صرخة ألم، وكل تنهيدة كانت تنبض بالحسرة. عائلات كاملة تمزقت تحت وطأة الإرهاب.
في هذه اللحظات، كان الجبل، الذي شهد كل هذا الألم، يصرخ بصوت عميق، يعبر عن معاناة إنسانية تخطت حدود التصور.
أحد أكثر الفصول المروّعة كان خلال صيف عام 2014، عندما اجتاحت فلول داعش الجبل وارتكبت مجزرة مروعة بحق الإيزيديين. تم قتل الآلاف من الرجال، وجرى اختطاف النساء والأطفال، حيث تم بيع الكثير منهن كعبيد. الوجوه التي كانت تعرف السعادة والأمل تحوّلت إلى ذكرى مؤلمة من جروح ودمار. التقارير تشير إلى أن العديد من الفتيات الإيزيديات تعرضن للاغتصاب والتعذيب، في وحشية لم تبقِ مكاناً للرحمة.
لكن وسط هذه الظلمات، بدأ شعاع من الأمل يتسلّل عبر طيات الظلام. هؤلاء المحاربون الشجعان، البيشمركة، كانوا رموزاً للإيثار والإصرار، وقرروا أن يكونوا هم البسالة التي تعيد الأمل إلى قلب الجبل الممزق. كانوا كأشباح تتحدّى الظلام، يتحرّكون عبر الأنقاض بجرأة وحكمة لا تلين، عازمين على تحرير الجبل الذي شهد أحلك لحظات المجزرة.
في إحدى المعارك الملحمية، تقدم القائد شيركو، الذي كان قلبه ينبض بشجاعة لا تعرف الحدود. تقدم برفقة مجموعة من رجاله، وسط نيران العدو وقذائفه المتساقطة كالأمطار. كان القائد شيركو يرتدي درعه الذي لحقته بقع الدماء والرماد، عازماً على إزالة الظلام من قلب الجبل. كل طلقة كان يطلقها، وكل خطوة كان يخطوها، كانت تحمل معه أمل ملايين الأرواح الجريحة التي كانت تنتظر خلاصا من المأساة.
في مشهد آخر، تصدى المقاتل دليار بشجاعة نادرة لعدد من الإرهابيين المتحصنين في أحد الأحياء المدمرة. لم يتردد في استخدام كل ما في جعبته من أسلحة ومهارات، بل وقف بمفرده في مواجهة العدو، مفضلاً أن يكون درعاً بشرياً لحماية المدنيين الذين كانوا يختبئون بين الأنقاض. بأعجوبة وتضحية قل نظيرها، نجح في القضاء على الهجوم وحماية أولئك الذين كانوا على وشك أن يمحوا من الوجود.
ثم تأتي قصة زينب، التي كانت على وشك أن تباع كعبدة. بينما كانت في طريقها إلى مصير مجهول، تم إنقاذها بعملية شجاعة من قبل البيشمركة الذين كانوا يتسللون إلى معاقل الإرهابيين. زينب، التي عاشت فترة من الرعب والفقد، وجدت الأمل مجددًا بفضل جهود هؤلاء المحاربين الذين لم يكتفوا فقط بتحرير الأرض، بل أعادوا الأمل للنفوس الممزقة. قصصٌ بطولية كثيرة حدثت، تشهدها صخور الجبل.
وسط هذه اللحظات البطولية، لم يكن البيشمركة فقط يقاتلون من أجل التحرير، بل كانوا يرسخون قيم الكرامة والإنسانية في خضم الدمار. في اللحظات الحاسمة، ارتفعت الشمس مرة أخرى فوق الجبل، لم تكن مجرد ضوء يبدد الظلام، بل كانت إشادة بشجاعة أولئك الذين حولوا الألم إلى أمل، والخراب إلى بداية جديدة.
هكذا، من بين الركام والدماء، برز جبل سنجار كرمز لصمود لا ينكسر، ليبرهن أنه حتى في أحلك اللحظات، يمكن لشعلة من الأمل أن تشعل نار النصر، وأن الأبطال يمكنهم أن ينهضوا ليعيدوا الأمل من بين الأنقاض.