شاهين أحمد: الكورد و الحراك الأمريكي – الإيراني

شاهين أحمد: الكورد  و الحراك الأمريكي – الإيراني

بدأت الاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة ، وإيران وشركائها من جهة أخرى منذ اللحظات الأولى التي تسلم فيها الرئيس " دونالد ترامب " مهامه كرئيس ، وإزدادت وتيرة هذه الاتهامات وتحولت إلى تهديدات بعد انسحاب الإدارة الأمريكية من الاتفاق النووي الذي وقعته كلاً من فرنسا وألمانيا، وروسيا والصين، وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في عهد " باراك أوباما " سنة 2015 مع النظام الإيراني ، هذه الاتفاقية التي أدت إلى تحرير عشرات المليارات من الدولارات لصالح إيران التي أنفقت القسم الأعظم منها في تمويل حروبها وميليشياتها في أكثر من دولة ( سوريا واليمن والعراق وفلسطين ....إلخ ) .
ماتقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية اليوم من تحشدات عسكرية لمختلف صنوف قواتها ، من حاملات الطائرات العملاقة المدعومة بالأساطيل البحرية ، والمعززة بالقاذفات الاستراتيجية التي لاتتحرك إلا في حالة الحروب والعمليات العسكرية الكبيرة ،أو وجود تهديدات حقيقية لمصالحها وأمنها القومي ،هل هي مجرد مسرحية إعلامية أم أنها مقدمة لضربات موجعة في حال تجاهل إيران لشروطها المعروفة ؟. لماذا كل هذا الاستنفار والتهديد ضد نظام هو في الأساس صناعة غربية بإمتياز ؟. أليس الغرب هو من صنع نظام الملالي كنسخة سياسية - دينية بصبغة شيعية موازية لنسخة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين التي كانت هي الأخرى صناعة غربية سياسية – دينية بصبغة سنية من أجل ديمومة الصراع ؟. أم أن نظام الملالي قد فقد مبررات وجوده وحانت ساعة التغيير ؟.

في إطار استراتيجيتها الجديدة تجاه إيران ، كانت الخارجية الأميركية قد كشفت عن إثني عشر شرطاً وضعتها الإدارة الأمريكية على النظام الإيراني إذا رغب في التخلص من العقوبات ، وكانت أشد هذه العقوبات في قطاعي الطاقة والمصارف . وشملت البرنامج النووي وأنشطة تخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم ، والسماح لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول غير المشروط إلى مختلف المواقع النووية ، وطي ملف نشر الصواريخ الباليستية وتلك القادرة على حمل الرؤوس النووية بشكل نهائي، وإطلاق سراح المواطنين الأميركيين ومواطني الدول الحليفة لواشنطن ، وإنهاء دعم الميليشيات الإرهابية في مقدمتها حزب الله اللبناني وحركتا حماس والجهاد في فلسطين ، واحترام سيادة العراق والسماح بنزع سلاح الميليشيات الشيعية العراقية والمعروفة بـ " الحشد الشعبي " ، ووقف دعمها للحوثيين وعدم عرقلة المساعي الهادفة لإيجاد تسوية سياسية في اليمن، وسحب القوات الإيرانية من سوريا ، وإنهاء دعم طالبان والإرهابيين في أفغانستان والمنطقة وعدم تقديم مأوى لقادة القاعدة ، وإنهاء نشاط فيلق القدس التابع للحرس الثوري وإنهاء عملياته الإرهابية عبر العالم ، ووقف تهديد جيرانها بالصواريخ، وهجماتها السيبرانية المخربة لقواعد البيانات، فضلا عن تهديدها للملاحة البحرية الدولية . وأكدت الإدارة الأمريكية في السياق ذاته وكـ تأكيد على جدية وإصرار واشنطن على وضع حد لتصرفات النظام الإيراني ، بالقول وأكثر من مرة بأنه أمام النظام الإيراني خياران لاثالث لهما : إما التطبيق الكامل لما ورد في البنود الـ ( 12 ) المذكورة ، أو مواجهة كارثة إقتصادية مدمرة ، وعزلة سياسية دولية خانقة . وفي الـ 2 من أيار 2019 دخلت حيز التنفيذ الحزمة الأشد من العقوبات الأمريكية ضد إيران وبذلك تكون مختلف القطاعات الحيوية مثل السيارات والمصارف و العملة المحلية والسندات والنفط والموانئ والشحن البحري والناقلات الجوية والمؤسسات المالية الإيرانية المختلفة قد شملتها العقوبات . ومن الأهمية هنا الإشارة إلى أن هناك انقسام واضح بشأن رؤية المراقبين والمهتمين بشؤون المنطقة حول مدى جدية واشنطن وحلفائها في تنفيذ التهديدات ، والانتقال من الاستعراض إلى الفعل ، وتوجيه ضربات موجعة إلى النظام الإيراني وأذرعه المختلفة والمنتشرة في المنطقة ، وخاصة أن الدلائل كلها تشير بأن المنطقة على موعد مع حروب كبيرة قادمة ،قد تكون ضرورية لوضع الخرائط الجديدة موضع التنفيذ .

وهناك بكل تأكيد جهات عديدة مستفيدة ، وأخرى متضررة من الحرب في حال وقوعها : روسيا سوف تخسر سياسياً ولكنها ستستفيد اقتصادياً ، لأن ضرب إيران وتصفير صادراتها النفطية تفتح أمامها فرصة ذهبية لإعادة دورها في التحكم بأسواق الطاقة، وتركيا ستستفيد سياسياً وأمنياً واقتصادياً وسيعود الاهتمام بها من قبل أمريكا وأوربا ،وإسرائيل ستستفيد سياسياً وأمنياً لأن ضعف إيران وضربها يعني شلل أذرعها (حزب الله اللبناني وحركتا حماس والجهاد الفلسطينيتن ) وبالتالي خلاص اسرائيل من الصداع المستمر جراء المشاغبات التي تقوم بها هذه الفصائل الراديكالية ، وتصبح الأجواء مهيئة أكثر أمام إيجاد تسوية نهائية لملف النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني ، ودول الخليج العربي ستستفيد سياسياً وأمنياً واقتصادياً، لأن ضرب إيران يعني تخلصها من التهديد الدائم ، وزوال مبررات الابتزاز التي تتعرض لها هذه الدول جراء تهديدات إيران ، وتسوية ملف الحوثيين في اليمن ، ومعالجة الخلافات مع قطر ...إلخ . شعوب إيران بشكل عام والشعب الكوردي بصورة خاصة : الرابح الأول من توجيه ضربات حقيقة للمرتكزات الأمنية والعسكرية للنظام ، وخاصة إذا اقترنت تلك الضربات بدعم منظم للمعارضة ، للتخلص من النظام ، وإقامة البديل الديمقراطي الاتحادي لكل مكونات الشعب الإيراني .وذلك لما لهذا النظام من سجل إجرامي أسود في مجال التعامل مع معارضيه، حيث قامت أجهزته الأمنية بتنفيذ الكثير من عمليات الإغتيال بحق قيادات بارزة في المعارضة كـ اغتيال الدکتور"عبدالرحمن قاسملو" الأمين العام للحزب الديموقراطي الكوردستاني – إيران في 13 كانون الثاني 1989 في العاصمة النمساوية "فيينا" وكذلك إغتيال خلفه الدكتور "صادق شرف كُندي" في 17/9/1992 في برلين .
وسيكون للشعب الكوردي في مختلف أجزاء كوردستان نصيبه الإيجابي من إضعاف النظام الإيراني ، وذلك لما لهذا النظام من علاقات وتحالفات قوية واتفاقيات غير معلنة مع أوساط هامة من حزب العمال الكوردستاني PKK، وأخرى متنفذة في حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني ، والتي تعمل على تنفيذ أجندات النظام الإيراني ، وتضع العوائق أمام أية حلول لقضية شعبنا الكوردستاني في أجزاء كوردستان المختلفة . وقد نشهد إعادة إحياء عملية السلام بين كورد تركيا والحكومة ، وكذلك التقارب بين المجلس الوطني الكوردي ENKS وpyd ، والانتهاء من بعض العقد التي تعترض وحدة الصف في كوردستان العراق ، والعلاقة بين هولير وبغداد بشأن الكثير من الملفات العالقة وفي مقدمتها تنفيذ المادة ( 140 ) من الدستور العراقي الخاصة بالمناطق الكوردستانية التي تقع خارج الحددود الإدارية لإقليم كوردستان . ولن يتضرر من توجيه ضربات للنظام الإيراني سوى :الأنظمة الدكتاتورية ، والميليشيات الإرهابية ، وتجار الحروب ، والمافيات المختبئة تحت عباءة الدين .
نستطيع القول بأن شعوب المنطقة وقواها السياسية وصلت إلى قناعة تامة بأن النظام الإيراني لم يتحول إلى عدو لقضايا السلم والتحرر فحسب، بل أصبح سبباً في تدمير بلدانها ، وتهديد السلم الأهلي فيها، وأن إيران اليوم وبعد مرور أكثر من ( 40 ) عاماً على ثورة ملاليها، تشهد بداية النهاية لنظامها بالرغم من تمددها الجغرافي والسياسي في أكثر من بلد، وهي باتت تعاني من العزلة والحصار، وهناك تحرك جدي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، لمحاصرتها اقتصادياً وعزلها سياسياً، وطردها من مساحات جغرافية عديدة. ولكن سيبقى نظام الملالي الإيراني متمسكاً بكرسي الحكم بالرغم من تلك الضغوط والعقوبات، وسيحاول التأقلم مع الأوضاع الجديدة على حساب آلام الشعب الإيراني . وما الحركات البهلوانية التي نشاهدها عبر المكنة الإعلامية المضللة للنظام ، من قبيل أن الجيش والحرس الثوري الإيرانيين سيلقنان أمريكا درساً ، وسيلحقان الهزيمة بها ، إلا محاولة يائسة لذر الرماد في أعين الإيرانيين ، وخلق أوهام ندية عسكرية مع أمريكا ، ويدرك نظام الملالي حجمه الحقيقي وإمكانياته العسكرية مقارنة بالآلة العسكرية الأميركية الضخمة .

ولكن يبقى السؤال :هل ستدفع المصالح ، وكذلك الشعور بالخطر الداهم والمواجهة الحتمية، أمريكا وحلفائها إلى القيام بتحرك جدي، لإيقاف إيران من التمدد، من خلال دوام محاصرتها إقتصادياً وعزلها سياسياً ، وتوجيه ضربات عسكرية حقيقية لمرتكزات نظامها، ومساعدة المعارضة الإيرانية في توحيد صفوفها في إطار وطني جامع لكل المكونات الإيرانية وتقديم الدعم لها لقيادة الشعب نحو التغيير والقضاء على نظام الملالي لإسقاطه ، وإزالة جميع مرتكزاته الأمنية والفكرية والعقائدية وإقامة البديل الديمقراطي ؟. نستطيع القول بأن الطرفان يمارسان نوعاً من الاستعراض الإعلامي حتى اللحظة ، وفي حقيقة الأمر يجاهدان للتفاوض ، والمفاوضات أيضاً ستكون وفق شروط مدروسة نتيجتها إضعاف النظام تمهيداً لإسقاطه ،وما إعلان بومبيو أن الولايات المتّحدة لم تتوصّل إلى قناعة تامة حول تورط إيران في أعمال التخريب التي طالت ناقلات النفط على شواطىء الإمارات العربية المتحدة وأنابيب النفط السعودية، إلا محاولة أمريكية لترك " مهارب " للنظام الإيراني لتجنب الصدام .

وختاماً ستلجأ الإدارة الأمريكية إلى استخدام السلاح الاقتصادي بشكل فعال في حربها على إيران ، وخاصة أن العقوبات باتت تأتي أوكلها بشكل واضح يوماً بعد آخر ، من خلال معدلات التضخم الاقتصادي المخيفة التي تشهدها البلاد، فضلاً عن الغلاء الفاحش الذي شمل الكثير من السلع الضرورية والحاجات الأساسية اليومية للمواطن الإيراني الذي يرزح تحت وطأة الفقر ، ويقترب من حافة الجوع ، وليست بالضرورة أن تكون تجربة أمريكا مع إيران مشابهة للتجربتين الأفغانية والعراقية ، ولكن النتيجة ستكون بالضرورة خضوع إيران وانصياعها للشروط الاثني عشر التي وضعتها أمريكا . وبدون أدنى شك ،النظام الإيراني سيكون الخاسر الأكبر و قد تكون نهايته ، لأن الدلائل كلها تشير إلى أن أمريكا في عهد " ترامب " قد تغادر المنطقة الرمادية التي كانت سيدة الموقف مع إيران طوال أربعة عقود ، وقد تنتقل أمريكا من " الردع إلى الرد " إذا ارتكب نظام الملالي حماقة وتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها أمريكا والتي تتعلق بالملاحة البحرية عبر المضائق ، وخاصة مضيق هرمز ، وإيران باتت تدرك تماماً أن المواجهة عبر وكلاءها وأذرعها لن تكون ذات جدوى في هذه المنازلة إذا وقعت .