عمر كوجري: سوريا.. الفيسفساء التي تهشّمت للأبد

عمر كوجري:  سوريا.. الفيسفساء التي تهشّمت للأبد


PDK-S: أكثر من ثماني سنوات عجاف والنزيف في البنيان السياسي والمجتمعي يستمر في سوريا، النزيف على مستوى البشر والحجر، وفقد الطاقات بكل صنوفها جار، دون أن يهتدي النظام بخياره العسكري، واستعماله لكلّ أنواع الأسلحة على الشعب، والمعارضة بكثرة مسمياتها ومؤتمراتها وأجنحتها حلاً لوقف هذا الدمار الذي أضر بالدولة التي كانت سوريا.

لعل الضرر الأكثر إيلاماً وقع أيضاً على مشهد لوحة الفسيفساء السورية، في سوريا أقوام وأثنيات وطوائف وأديان عديدة، هذه اللوحة التي كان يمكن أن تكون عامل قوة ومنعة وجذب حضاري، وتنوُّعها الاثني منذ عشرات السنين، فدول كثيرة في العالم تأخذ من هذا التنوع الكبير كرافعة لمنعتها وقوتها .. لا ضعفها وتهتكها.

يبدو أنه ظهر ما كان مضمراً في الحياة الاجتماعية السورية، وتأكد أن ذلك التعايش "العظيم" الذي لطالما تغنّى به النظام بعقله الشوفيني والإقصائي ممارسة، و" المدني- الحضاري" شكلاً قد كان مجرّد وهمٍ أقنع السوريون أنفسهم به، أو أجبرهم النظام على السكوت بإرهاب السلاح، ورعب المعتقلات في الأفرع الاستخباراتية المنتشرة في كل مكان، والتي أنشأها النظام لإركاع الشعب السوري، وإخضاعه، والحكم بجنازير الدبابة، ولاحقاً بالسلاح الكيماوي، والسلاح الأكثر فتكاً ووحشية، والأرخص تكلفة "براميل الموت".

النظام الذي حكم متغنياً بالأمة "الواحدة"، و"أهدافها المجيدة"، ساهم بقوة في نسف أحلام السوريين في العيش تحت مظلة دولة تكون الوعاء الجامع لكل السوريين دون إكراه، أو تعنيف، أو قسر.
في لجّة هذه الحرب المجنونة التي أعادت سوريا قرناً أو أكثر للوراء، يبحث الجميع عن إمكانية النجاة بمركبه الاثني أو الديني، وصارت موضوعة سوريا المتشظية في فسيفسائها إلى قطع الحديث اليومي للميديا، وحتى للسوري في أي مكان.

الخلاص بات فردياً، وتصوّر السيناريو بسوريا أقرب للنبض العراقي في استقطاع حدوده "الوهمية" من دولة للسنة، ودولة للكورد، ودولة للعلويين، ودولة للدروز بات الترنيمة الأكثر شيوعاً، وحتى الطوائف الدينية باتت تتلمس خلاصاً لها، ولطقوسها، وتنوي النأي عن الجامع السوري" الإخضاعي" في هيمنته الديني – إسلامياً-

في هذا السياق، ينبغي على الكورد في كوردستان سوريا أن يتلمسوا طريقهم، ورغم أن الحرب في سوريا أخلّت بالبنية الديموغرافية في غير مصلحة الكورد، من تهجير وهروب الشباب، وسياسة ممنهجة لإفراغ المنطقة الكوردية من سكانها، إلا أن هناك طيفاً واسعاً من شعبنا مازال محتفظاً بأرضه، والرهان عليه قائم.

يبقى على الحركة السياسية الكوردية في غربي كوردستان مهمة تاريخية وهي التخلي عن التخندق الحزبي، وملاقاة أحلام الجماهير الكوردية رغم أن هذه المهمة غاية في الصعوبة والعسر، وخاصة الجهة التي تدير بعض المناطق من كوردستان سوريا، ومن العام 2012 إلى الآن استحوذت على سلطة وهبتها المال والجاه والسلاح، ومن غير المؤكد أنها ستتخلى عن هذه الامتيازات التي حصلت عليها بسهولة رغم موافقتها على المبادرات الفردية أو المجتمعية أو حتى المبادرات الدولية، وجديد هذه المبادرات كانت من جانب الحكومة الفرنسية التي تنشد "رأب الصدع" بين أحزاب الإدارة الذاتية التي يقودها منفرداً حزب الاتحاد الديمقراطي " pyd " وبين المجلس الوطني الكردي في سوريا، والمتهم من قبل الاتحاد الديمقراطي بالتبعية المطلقة لاستنبول بمجرد كونه عضوا في ائتلاف قوى المعارضة السورية، بينما الأخير يرتضي لنفسه التنسيق وعقد الاتفاقيات مع مختلف الجهات السياسية والدول، وحتى بعض التنظيمات التي تدعو للريبة والتشكك وانتفاء مردودية الفائدة كردياً.
ورغم أن الطرفين قد وافقا على المبادرة الفرنسية إلا أن التخوّفات من عدم نجاحها تبقى سيدة الموقف.