البارتي... وأبجدية النضال

البارتي... وأبجدية النضال

بقلم: زهرة أحمد

في ظل ظروف معقّدة ودقيقة جاء تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا لقيادة نضال الشعب الكوردي في سوريا.

في الرابع عشر من حزيران عام ١٩٥٧ ومن رحم المعاناة ولد البارتي، ليعانق طموحات شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية، ويكون خير معبّر عن تطلعاته القومية والوطنية، مدافعاً عن حقوقه القومية المشروعة.

في الرابع عشر من حزيران كان تأسيس أول تنظيم سياسي كوردي من قبل نخبة من المثقفين والمتنوّرين الكورد، تلبية لظروف موضوعية وذاتية وحاجة ملحة لحزب يقود النضال السياسي الكوردي، تحقيقاً للحرية والحياة الكريمة، وحفاظاً على الهوية القومية من محاولات الانصهار، وصولاً للحقوق المشروعة، فكان الالتفاف الجماهيري في صفوف الحزب بفئاته وشرائحه كافة، ليكون البارتي ولايزال الحزب الجماهيري.

«تحقق الحلم» الجملة التي قالها الدكتور نورالدين زازا، بعد تأسيس الحزب، كأول تنظيم سياسي كوردي، لتكون انطلاقة تاريخية نضالية من أجل الحقوق القومية للشعب الكوردي. وقد واجهت الحكومات السورية تأسيس الحزب ومناضليه بالقمع والاعتقال والتعذيب والنفي، إذ تفننت في تلفيق التهم الجاهزة بحقهم:«خطر على أمن الدولة ومحاولة اقتطاع أجزاء من سوريا وإلحاقها بدولة أجنبية» عنونت التُّهَم الموجهة للمناضلين الكورد، فلم ينجُ كوادر الحزب وأعضاؤه وحتى رئيس الحزب من الاعتقال.

لكن البارتي بقي صامداً، مستمراً في النضال، رافضاً كل المشاريع العنصرية الاستثنائية والسياسات الشوفينية والتعريبية والمراسيم والقوانين الجائرة، تلك التي استهدفت الوجود الكوردي وهويته القومية، ليعزّز الحزب الشعور القومي بين جماهيره، مجاهداً للحفاظ على اللغة الكوردية والتراث والأدب والتاريخ الكوردي.

بالرغم من حالات الانقسام في صفوف الحزب، والظروف الصعبة والضغوط الأمنية الكثيرة، والمؤامرات الداخلية والخارجية، فقد بقي البارتي محافظاً على مبادئه، مستمراً في نضاله من أجل شعبه، وقد ساهمت العديد من العوامل في ذلك أهمها:

-العلاقة الاستراتيجية بين البارتي والحزب الديمقراطي الكوردستاني في كوردستان والدعم المستمر للبارتي من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ورئيسه ملا مصطفى البارزاني منذ التأسيس وعبر مراحل التاريخ النضالي كافة، وحتى يومنا هذا الدعم مستمر من قبل الرئيس مسعود بارزاني بأشكاله كلها، لتأتي مشاركة فخامته في المؤتمر الثاني عشر للحزب الديمقراطي الكوردستاني - سوريا، في ١٠ من شهر حزيران ٢٠٢٣، تجسيداً للدعم السياسي للقضية الكوردية في سوريا، مؤكّداً في كلمته التاريخية التي ألقاها في المؤتمر على الدعم والمساندة للنضال الحقيقي الذي يخدم القضية المشروعة للشعب الكوردي في سوريا، مثمناً على دور الحزب الديمقراطي الكوردستاني - سوريا في ثورتي أيلول وكولان، معرباً عن تقديره لجهود ونضال قوات «بيشمركه روژ» في الحرب ضد داعش الإرهابي، والذي قدم العشرات من الشهداء دفاعاً عن كوردستان.

كل النقاط القيّمة التي أشار إليها الرئيس مسعود بارزاني في كلمته تؤكد على إنه لا حدود للشعور القومي، كما لا حدود لإرادة الحرية للشعب الكوردي في ظل خرائط تقسيم الحدود لكوردستان، كما تؤكد على الدعم الاستراتيجي للشعب الكوردي وقضيته العادلة.
- اعتماد البارتي في نضاله على نهج الكوردايتي، نهج البارزاني الخالد، وقيمه العليا كخارطة طريق للنضال.
- التفاف الجماهير الواسعة بفئاته وشرائحه كلها حول الحزب، واعتماد الحزب على طاقات الجماهير الكوردية.
- المسؤولية التاريخية للحزب ليكون كما كان مجسداً لآمال وتطلُّعات شعبه.

اعتمد الحزب على سياسة العمل المشترك وتوحيد الصفوف لخدمة الشعب الكوردي، من خلال النضال المشترك ضمن صيغ نضالية تحالفية، مشتركة للأهداف وموحدة للطاقات، وما الوحدة الاندماجية بين عدد من الأحزاب الكوردية في تنظيم واحد إلا تجسيد لسياسة النضال المشترك وتوحيد الموقف والصف والنضال خدمة لتطلعات شعبنا الكوردي.

كما تمكّن الحزب الديمقراطي الكوردستاني - سوريا وبجهود ومساع متميزة مع أحزاب الحركة الكوردية في سوريا من تأسيس المجلس الوطني الكوردي كأهم مكسب سياسي للشعب الكوردي، وعنوان راسخ للمشروع القومي.

المجلس الكوردي كهيئة سياسية حضنت الآمال والآلام والأحلام، ووحّدت الطاقات، وكلّ الإمكانات لتشمل كافة مكونات المجتمع الكوردي بتنظيماته السياسية والمدنية والمستقلة، بفئاتها الشبابية والنسائية جميعها، حاملة للمشروع القومي، ومهمة تاريخية لمواصلة النضال السياسي مجسدة تطلعات الشعب الكوردي وأهدافه القومية المشروعة.

كان للحزب الدور المميز في المجلس وفي جميع هيئاته ومكاتبه ومجالسه المحلية، كما العمل مع المعارضة الوطنية السورية وكافة الهيئات التفاوضية والدستورية لحل سياسي للأزمة السورية.

النضال مستمر من أجل سوريا جديدة ديمقراطية تعددية اتحادية يضمن دستورها الجديد حقوق سائر المكونات وفي مقدمتها الشعب الكوردي وفق الأعراف والمواثيق الدولية.

للحزب دور مميز من خلال المجلس الوطني الكوردي في تأسيس جبهة السلام والحرية، كتحالف سياسي لقوى سياسية تعكس حقيقة التعدد القومي في سوريا " المجلس الوطني الكردي" و" المنظمة الآثورية الديمقراطية " و " المجلس العربي في الجزيرة والفرات وتيار الغد السوري".
من أجل تنسيق الجهود لإيجاد حل سياسي في سوريا تعبر من خلاله المكونات عن حريتها وكرامتها الإنسانية وتحافظ على هويتها القومية.

المهمات كبيرة أمام البارتي كما التحديات، لكن إرادة الشموخ للبارتي، وأبجديته للنضال ستتجاوز كل الصعوبات للوصول إلى الآمال.
سيبقى البارتي كما كان شامخاً.