إضاءات على الهويِّة الكوردستانيِّة في ذاكرة الحزب الكوردي الأوّل بسوريا
بقلم: نجاح هيفو
يعدُّ تاريخ الرابع عشر من شهر حزيران عام ١٩٥٧م، التاريخ الرسمي لتأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، والذي تأسس على يد نخبة من المثقفين والمتنورين الكرد، لـ يكون أوّل حزب سياسيّ كردي، حمل هويّة الدفاع عن القضيّة الكرديّة في كوردستان سوريا، وتحمّل كلّ الاستبداد، والاضطهاد الحكوميّ في سبيل تحقيق آمال وتطلعات الكرد في سوريا.
كان المؤسسون الأوائل للحزب هم: نور الدين زازا، وهو أول رئيس للحزب، وعثمان صبري، حمزة نويران، عبد الحميد درويش، الشيخ محمد عيسى، رشيد حمو، محمد علي خوجة، شوكت حنان، محمد خليل.
تضمّن النظام الداخلي ثلاثة أقسام رئيسيّة (نشرت باللغة الكردية وقتئذ)، وكان أبرز ما ركز عليه الحزب هو تعريفه بنفسه كحزب تقدمي تحرُّري وديمقراطي، وطالب بقيام نظام ديمقراطي شعبي في سوريا، وبتحقيق حقوق الشعب الكردي في سوريا، السياسية والاجتماعية والثقافية، وبارك نضال الكرد في العراق وإيران وتركيا.
في الجانب الثقافي، دعم الحزب إنشاء جمعيات ثقافية كردية، وإصدار مجلات وصحف كردية، وأولى اهتماماً خاصاً باللغة الكردية. كما ركز في الجانب الاجتماعي على أوضاع الفلاحين الكرد وواقعهم الاقتصادي والاجتماعي، ودعم تقديم الخدمات لهم.
بتجارب، وظروف متعدّدة، واستثنائيّة، مرّ الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، تعرّض قادة ومسؤولو الحزب للاعتقال أكثر من مرّة، وواجهوا تهماً متعدّدة، أبرزها المساس بوحدة الأراضي السورية، والخيانة، حتّى وصل الحال في ستينيات القرن الماضي، أن يتمّ اتهام أعضاء الحزب "باليهود"، نسبة إلى الصّراع العربيّ مع الإسرائيليين بوصفهم مستوطنين من خارج الديار العربيّة.
ولأنّ التجربة السياسيّة الطويلة، والأحداث، والأحداث، التي مرّت، وعصفت بالحركة السياسية الكردية في سوريا، بقيادة البارتي، لا يمكن اختزالها واختصارها بمادة قصيرة، وبمقالة رأي، فإنّ هذه المادة، ستركّز بالدرجة الأولى، بشكل رئيسي، على بعض الإضاءات الكوردستانيّة التي رافقت ظهور الحزب الكردي، وتمدّده بين الكرد في سوريا.
منذ نشوء الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (الذي بات اسمه اليوم: الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا)، كان واضحاً أنّ العلاقة بينه وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق بالغة الأهمية والمتانة، إذ أنّ جريدة البارتي- عراق (خبات) كانت منذ خمسينيات القرن الماضي، تنشر بين سطور موادها، مواد تتعلق بالكرد في سوريا، حقوقهم والقمع الذي يتعرضون له، والمطالبة بحقوقهم؛ وفي الصدد ذاته كانت جريدة (دنكي كورد) لسان حال البارتي- سوريا، لسان حال الثورة الكردية المجيدة في كوردستان العراق منذ ١١ أيلول، إذ عملت الصحيفة على تبنّي كل خطابات الثورة، ونشر النداءات والبلاغات والقرارات الصادرة عن مجلس قيادة الثورة.
ومن المهم الإشارة إلى أن الزعيم الخالد، ملا مصطفى بارزاني كان متابعاً بشكل فعّال لنشاطات وفعاليات الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، ورعى المؤتمر الوطني التوحيدي، الذي عقد بدعم من الخالد في منطقة نوبردان في إقليم كوردستان.
في الصّدد، من المهم الإشارة أيضاً إلى أن الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، لم يكن غائباً أو منفصلاً عن واقعه وحاضنته الكوردستانية؛ إذ أنّ الحزب كان مدعواً بشكل رسمي لحضور الاجتماع الأول لمجلس قيادة ثورة أيلول، وألقى الحزب فيه كلمةً بشعار: "المجد والخلود لشهداء كوردستان، الموفقية والنجاح لمجلس قيادة الثورة، النصر والظفر لثورة شعبنا وطليعتها الحزب الديمقراطي الكوردستاني المجيد، العمر المديد لقائد شعبنا مصطفى البارزاني". وجاء في كلمة الحزب: "إن المجلس الوطني لقيادة الثورة هو الفريد والأول من نوعه في تاريخ الحركة الوطنية التحررية، وتجسيدٌ حيٌّ لواقع الثورة وحركتها التاريخية التي تمرُّ بها، ولذا تقع على مجلسكم الموقر مهمات جسيمة ومسؤوليات خطيرة تتطلب منكم التضحية وإنكار الذات للسير بالثورة بخطى ثابتة ورزينة إلى حيث تحقيق آمال وأماني الشعب الكردي".
وعلى غير ما هو متعارفٌ عليه في الذاكرة السياسيّة الكرديّة، وفي معرّفات الحركة القومية الكرديّة في سوريا، والأطراف السّورية القريبة أو المنشغلة بالقضية الكردية في سوريا، فإن مصطلح "كوردستان سوريا" ليس وليد الثّورة السورية، ولم يُعلن بعد العام 2011، إثر تطورات الأحداث السياسية في البلاد، وإنّما كان هذا المصطلح منذ بدايات نشوء الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا؛ في عام 1961، عقد الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا والحزب الديمقراطي الكوردستاني في إيران، اجتماعاً في إقليم كوردستان، وأصدرا بياناً مشتركاً حول وجهات نظر الحزبين، وكان من البنود التي اتفق عليها الجانبان أن الهدف الأسمى للحركة الكردية هو تحرير وتوحيد كوردستان، وأن النضال في كل جزء من أجزاء كوردستان يجب أن يستهدف هذه الغاية، وكل تكتيك ينفرد به أيّ من الأحزاب الكوردستانية يجب أن يكيّف لتحقيق هذا الهدف، واتّفق الجانبان أيضاً على أن الطرفين يعملان من أجل تشكيل لجنة عامة لكوردستان، ويؤكد الجانبان أن يتولّى الزعيم الراحل الملا مصطفى بارزاني قيادة أي لجنة كوردستانية عليا، وخلال البيان يُذكر مصطلح "كوردستان سوريا" أكثرَ من مرة.
في مطلق الأحوال، تعيد التجربة نفسها اليوم. يظلُّ الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة الرئيس مسعود بارزاني، بوابة الكرد في كوردستان سوريا للعالم الخارجي، وتبقى العلاقات الكوردستانيّة التي تأسست منذ بداية نشوء أول حزب كردي في سوريا، في أوجها، وضمن المشروع الذي وضعه وأسسه وقاده الزعيم الخالد، ملا مصطفى بارزاني، ولا يزال ملهماً وقائداً حيّاً له.