في ذكرى التأسيس.. والبحث عن طريق النجاة!!
بقلم: عمر كوجري
الكتابة عن إرث تاريخي وسياسي كبير وعظيم، وهو زخم ميلاد الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا ليس احتفاءً بالكتابة بعينها بقدر ماهي محاولة جادة لإضافة محتوى جديد وهام على تلك التجربة البهية في زمن مضى، لكنه سارٍ في عملنا وأدائنا كممتهني سياسة حتى الآن.
قرأت قبيل حلول الذكرى مقالات كثيرة عن دلالات ومآلات التأسيس، وقبلها قرأت الكثير بحكم العمل الإعلامي، والبحث عن فرادة ما، أو قول مختلف ثري ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
كلُّ عام نحتفي بهذه المناسبة الجليلة، وهذا العام عانق الرقم السابع والستين في أوراق التاريخ، أيّ أنّ الميلاد الذي كان في وقته يبحث عن فتوة ونضارة سياسية، صار يجهّز روحه ليرتدي ثوب الكهولة، والكهولة تقتضي النضج وحصد الكثير من الإيجابيات بحكم تراكم الخبرة، والاستفادة من تجربة الذات، وتجارب الأمم والشعوب المجاورة أو البعيدة، لكن هل تحقق هذا الذي يشبه الحلم؟!
في السردية التاريخية، وحتى يبقى لكلّ من ناضل من الكرد لأجل شعبه الفوز بالاحترام وعلو المكانة، وهذا حقٌّ، لأجل هذا التقدير، لن نكلّ، ولن نملّ في حني قاماتنا احتراماً وتقديراً لذكرى ملاحم وبطولات الآباء، ونقصّ سيرة نضالاتهم الناصعة في زمن رمادي شديد السوء لأي تفكير واعٍ يروم العمل في الشأن السياسي، والنزوع نحو الأداء السلمي الديمقراطي لتأمين حقوق شعبنا في الجزء الغربي من كوردستان.
لكن، من الحري القول إن أرواح هؤلاء الكبار في تفكيرهم، ونهجهم غير مرتاحة الآن في قبورها، لأن أحفاد الرواد لم يكونوا بذلك الوفاء الذي كان يجب أن يكون، ولم تحقق الأجيال اللاحقة التي عملت في الشأن السياسي بعض البرامج التي وضعها الرواد الأوائل من الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، أرواح الروّاد تتوجع، وهذه حقيقة، لا كلامٌ يستجدي العاطفة، ويستجرُّها للتأثير على القلوب، فقد صار الحزب الذي تغنّى بالديمقراطية والمساواة وحق الكرد في غرب كوردستان بحياة كريمة، ووصل الحماس لبعض الطروحات إلى مستوى يعدُّه البعض -وربما هم على حق- إلى تحرير وتوحيد كوردستان، شكلاً من أشكال الفانتازيا السياسية، والكلام المعسول العاطفي القريب من الخيال، والبعيد عن دراسة الواقع السياسي وقتذاك بتعقُّل ورويّة وصبر في ظرف بالغ التعقيد والشدة العاطفية من جانب الحكومات التي حاربت الكرد بسلاح العروبة.. لقد صار الحزب إياه انشطاراً لا طائل منه، انشطارٌ لم يؤمّن، ولم يحقق مكاسب جدية وحقيقية للكرد..
هؤلاء الروّاد، والكثير من الكتابات المنصفة تذكّرهم بأسمائهم اللامعة، وهم على حق، حتى بتنا من حافظيها، وهي وإن صارت في ذمة التاريخ، لكنها باقية ومقيمة في قلوبنا.
الظرف آنذاك في عهد الآباء الروّاد الشُّجعان، وقد دخل العديد منهم في غياهب السجون، لم يكن مثالياً لتأمين حقوق شعب ظلمته الجغرافيا والتاريخ، وحاربهم الحكام العنصريون الذين لا يرون في عين المكان سوى أسمائهم، وأسمالهم، وماضيهم الذي يرونه عريقاً، والعراقة الحقّة الأصيلة والنبيلة لم تحارب الآخر المختلف يوماً، بل ترى التعايش الإنساني ضرباً من ضروب الحياة في أوج جمالها وروعتها.
إذ، كيف لشعب لا يتعدى تعداده ثلاثة وعلى سبيل المبالغة أربعة ملايين أن يحفظ، ويستوعب كلّ هذا العدد الهائل مما سميت ظلماً بالأحزاب، وجلّها عبارة عن مجموعات، والأصح جماعات فائضة عن حاجة السياسة، ولا علاقة لها بالأفق المعرفي، وهدف الكثير منها كان ولايزال دافع التشويش والتضييق، وشيطنة عمل وحراك بعض الأحزاب التي تنشد عملاً نظامياً في عالم السياسة، وهي في الحقيقة قلة قليلة.
وثمة من يقول إن استخبارات النظام السوري كان لها بعض اليد في " استدلادة" وإضافة أحزاب جديدة، والتشجيع لتمييع حالة التحزب الكردية، وإكراه المواطنين بالحزبية الكردية حيث كانوا ينامون هانئي البال، ويستفيقون على اسم جديد وأحياناً كثيرة الاسم والشعار واسم الجريدة عينه، وقد سمعنا أن مكاتب الاستخبارات طلبت من بعض المناضلين في معتقلاتها إحداث انشقاق في أحزابهم، ورهنوا حريتهم مقابل هذا الشرط الخبيث واللعين.
الآن، لنقل زالت غمّة أجهزة الأمن ورعبها وجبروتها، ولكن الحال على حالها، وأسوأ مما كانت، فتفريخ الأحزاب مازال قائماً وفي أوج نشاطه، وهنا يكمن وجع الكلام الذي ثبتناه أن أرواح الرواد الأوائل ليست مرتاحة في قبورها!!
في تجربة الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا وهو الامتداد الطبيعي للحزب الأم..درس غني في تقليص أسماء الأحزاب الكردية، وعليه تقع مسؤولية استقطاب المزيد من الأحزاب إلى دائرته الثرة الغنية، خاصة أن هذا الحزب مازال يحظى بثقة جماهيرية كبيرة، وباهتمام كبير من الديمقراطي الكوردستاني الشقيق الأكبر في مدرسة النضال التي تسطرت باسم الخالد مصطفى البارزاني، ولايزال في الطليعة بقيادة الرئيس مسعود بارزاني الذي أثبت نجاعة المطلب القومي في ظل رغبة البعض في تمييع القومية، والقفز فوقها نحو أهداف خلبية لا واقعية..ولا تمت للكرد بصلة.
للوضع الكردي في غرب كوردستان لا نحتاج أكثر من أربعة إلى خمسة أحزاب، ما تبقى أسماء يجب أن تزول، بالأحرى هي حتى في وجودها غائبة عن الفعل السياسي الحقيقي.!!
وهكذا لن نجلد ذواتنا كما كل عام، سنمضي إلى طريق قطف الثمار بثقة واقتدار.
في ذكرى التأسيس، الأسئلة الموجعة كثيرة، والحلول في التوقيت الراهن لا طريق لها في دروبنا، لكن لن نعدم الحيلة.. لن نعدم الوسائل في سبيل الوصول إلى درب كوردستان الأخضر.