البذرة الكوردية الصالحة في مواجهة سموم الرسائل الإعلامية عزالدين ملا
نحيا في بيئة مُشبعة بالوسائل الإعلامية المختلفة التي تبُث مضامينَ سياسية واجتماعية وثقافية مختلفة تحقِّق من خِلالها أهدافًا واستراتيجيات إن استثمرت بشكل صحيح تدخل في خدمة مصالح عليا لمجتمع ما، ويحتاج إلى وعي وثقافة إعلامية في ذاك المجتمع لتحقيق تلك المصالح، ولكن إن أمعنّا النظر إلى استخدام المجتمع الكوردي في غرب كوردستان (كوردستان سوريا) للوسائل الإعلامية وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، نرى أنه لم يصل بعد إلى فهم وإدراك دور الإعلام في رفع شأن المجتمع وتحقيق مصالحه العليا، ما يتم هو المتابعة السلبية والاستخدام السلبي لتلك الوسائل، ما يجعله يتخبّط في فهم الأمور وعدم القدرة على تحليل ما وراء السطور، وعدم القدرة على فرز والغاية من هذا الكم الهائل من الوخزات التي تدقُّ وتر العاطفة لإزاحته عن طريق الصواب ودفعه نحو طرق لا تمت للمصلحة الكوردية، ويدفع بالمجتمع إلى الانهيار والخروج عن المسار الصحيح للمصلحة الكوردية العليا، وهذا ما يحدث في المجتمع الكوردي في غرب كوردستان في سلبية استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي.
اعتقد أن الاستخدامات العشوائية وغير الهادفة والبعيدة عن الوعي والمنطق توضّح الوجه الآخر للمجتمع، وتُظهر خفاياه السلبية والتي كانت غائبة أو لم يكن هناك دفع مُعيَّن لإظهاره، وقد تكون للنفوس الضعيفة غير المسلّحة بالوعي الثقافي والقيم الأخلاقية أن تتدحرج في مستنقع إعلامي معادٍ أو مضادٍ للحقيقة المجتمعية القائمة على الحب والتسامح والتعاون والتماسك والتعاضد عند الشدّة والمصائب.
لذلك، منذ أن خاض الكورد في غرب كوردستان غمار النضال على وسائل التواصل الاجتماعي ظهرت الكثير من الأشياء التي كانت غائبة أو بالأحرى لم يكن هناك أي محرك لظهوره، ومنذ ذاك الحين بدأ التباعد والتنافر ليس فقط بين أطراف الحركة السياسية الكوردية، بل حتى بين الأخ وأخيه والجار وجاره، وهكذا إلى أن أصبح المجتمع الكوردي بحر الظلمات يحوي في أعماقه مختلف الشوائب وإفرازات الحقد والكراهية والحسد وعدم تقبل الآخر، وإلقاء اللوم والفشل على بعضهم البعض، هذا كله ظهر خلال السنوات القليلة الماضية، حيث لم يكن موجودًا قبلها. في وقت كان المجتمع الكوردي السوري حالة نادرة من التماسك والتعاضد والترابط في الأفراح والأتراح، وظهر هذا التماسك والتعاضد عندما كان الشعب الكوردي يواجه النظام القمعي بكل أساليب الكفاح السياسي المتاح، وبشكل جليِّ إبان ترشُح مندوبين من الكورد إلى البرلمان السوري، حيث حوَّلوا الدعاية الانتخابية للمجلس الشعب إلى مهرجان شعبي، وصوَّتوا بالإجماع وتهافت الشعب الكوردي بكل فئاته إلى صناديق الاقتراع، وكان هذا التماسك في المجتمع الكوردي أن يجعل من النظام إلى إعادة حساباته من جديد وإعطاء إيعاز إلى فروعه الأمنية لضرب الوحدة الكوردية بكل الأساليب القمعية، وكلَّما زاد النظام في عنجهيته لضرب التآزر الكوردي زاد الكورد عناداً في تماسكهم ووحدتهم، إلى أن أعلن خلال انتفاضة قامشلو عام 2004، وصب جام غضبه أثناء سقوط نظام البعث العراقي على الشعب الكوردي في سوريا، وعمل على تأليب العرب على الكورد وإشعال نار الفتنة بأسلوب اللعب على عاطفة ومشاعر جماهير منتخب الفتوة القادم من مدينة ديرالزور، وكان التماسك الكوردي ومقاومة عنصرية النظام وخباثته بصدور عارية ما جعل عرش النظام في دمشق يرتعش ويهتز لقوة هذه الوحدة الكوردية، ولم يوجهوا في يوم من الأيام اتهام العرب في مدينة ديرالزور من إشعال نار الفتنة خلال انتفاضة قامشلو، وأدركوا أن بعض شباب العرب في ديرالزور غُرّر بهم كما غُرّر بالكثيرين من قبلهم.
في بداية الأزمة السورية حيث توحد الشعب الكوردي في كلمته وإلتفافه حول الثورة السورية ومواجهة الطغمة الحاكمة في دمشق بمظاهرات سلمية لـيُكملوا مشهد الفسيفساء السوري بالتوازي مع مظاهرات السوريين في كل مدينة وبلدة من سوريا، كما تمكنت الحركة السياسية من تجميع أطرافها في جسد واحد، ومن ثم حدّدت الموقف والهدف الواحد تجاه مطالب الشعب الكوردي في سوريا إلى جانب الرؤية السياسية لسوريا المستقبل.
لكن، ظروف الثورة السورية والتي تحوّلت مع مرور الزمن إلى أزمة معقدة وعميقة، أن تُخرِج دواخل الكورد غير المصنفة في صفاته، جعله ينهش في لحم أخيه قبل صديقه وجاره، أمَّا العدو فيرقص طرباً على أنغام النعوت الكوردية المتبادلة.
هكذا تغير الكوردي، ليس لأن جيناته الوراثية هي السبب، فمنذ القدم والجميع تغنَوا بالصفات الكوردية كالشهامة والتضحية والتسامح والتماسك وحب الآخر، لكن وبالعودة إلى هذا الحرف، فإن الفوضى المستفحلة في سوريا والأزمات المتتالية التي تمرُّ بها المنطقة دفعه إلى عدم الاتزان والوضوح في رؤياه، ما يجعله يتخبط في مدارات تصرفاته، هذا كله لعدم وعيه بمدارات الرسائل الإعلامية المعادية التي يتم نفثه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فعدم الوعي بالثقافة الإعلامية إلى جانب تكثيف العدو الداخلي والخارجي من بث تلك الرسائل جعل من الكوردي أن يرتبك في عدم فهم الغاية من هذه البثات الإعلامية ما يجعله يشك بمَن حوله، فيحدث الصدام كلاميًا والتشهير ببعضهم البعض بالعمالة والارتزاق، ومع مرور الوقت تلاشت الثقة، وكثرت الاتهامات.
من هنا تأتي أهميَّة الوعي بالتربية والثقافة الإعلامية، فهي أنجح سبيلٍ لتفكيك الرسالة الإعلامية والتعرّف على هدف تصنيعها وبثِّها وفهم المنُتج الإعلامي بشكل صحيح. لذلك أصبحت التربية الإعلامية للمجتمع الكوردي ضرورة واحتياجا، ويتطلب التوعية على المنهج الثقافي الذي يسهم في بناء الإنسان الكوردي وتنمية أساليب التفكير الناقد، وتدعيم مهاراته في البحث والتحليل والتقييم لكل ما يعرض عبر وسائل الإعلام.
يبقى الكوردي هو ذاك الثائر والمناضل والعنيد في المطالبة بالحرية والكرامة، لم ولن يرضى الضّيم، سيصحو من غفوته، ويعود إلى عنفوانه، وأن ما يحصل على وسائل التواصل الاجتماعي ليس إلا تنفيس عن غضبه لعدم دوران الظروف لصالحه فيتخبط في مداركه، وهذا لن يدوم لأن الكوردي لديه الميزة ثابتة هي أنه مهما دارت به الدنيا ومهما غيّرت الظروف والمصاعب من دواخله ولكن في الأخير يعود إلى رشده، فالبذرة الصالحة لدى الكوردي يحافظ على ثباته بعد الاهتزازات المتكررة التي تعرّض وما يزال..!!