محمد زنكنة: التقارب التركي السوري.. ومزايدات لا تنتهي
محمد زنكنة
تناقلت الأوساط السياسية في الآونة الأخيرة إمكانية وجود تقارب سياسي بين أنقرة ودمشق وخصوصاً بعد بعض التّصريحات التي أطلقها الأسد وأردوغان حول هذا الموضوع.
وعلى الرغم من تأخر عقد هذه القمة المنتظرة إلا أن الجانب الدولي يعمل وبكلّ جهده على إنجاح مساعيه لعقد هذا اللقاء مهما كانت النتيجة ليتضح لها في نهاية المطاف من الذي يسعى إلى الحوار وإنهاء الصراع والخلاف، ومن الذي يصرُّ على إبقاء الوضع على ماهو عليه؟
الجانب الأمريكي مستمرٌّ في حثّ حليفه التركي على المبادرة لعقد هذه القمة، ومن الواضح أن الاستجابة كانت إيجابية من قبل أردوغان الذي لم يمانع بدعوة بشار الأسد إلى أنقرة أو اللقاء في دولة ثالثة مبيناً، وبشكل غير مباشر أنه غير مستعد لزيارة دمشق، في الجانب الاخر لم يكن رد الأسد واضحاً واتّسمت تصريحاته بالمماطلة والتهرُّب من الموضوع على الرغم من أن حليفه الروسي لا يعترض على هذا التقارب.
التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي بيّنت أن الولايات المتحدة تعدُّ تركيا حليفها القوي في الشرق الأوسط وإنها ستخوّل تركيا العديد من صلاحياتها في المنطقة لتكون بمثابة ساعدها القوي المساهم في تنفيذ سياساتها في المنطقة.
مع ازدياد الخلاف بين الجانبين الأمريكي والروسي حول الملف الأوكراني يزداد الدعم الروسي للجانب الإيراني سياسياً وعسكرياً، وفي أطر محدودة بوجود صفقات تبادل الطائرات المسيّرة، وبعض الأسلحة الخفيفة وأنظمة الرادار، مع وجود اتفاق في الرؤى بين واشنطن وموسكو على ضرورة الإسراع في التقارب بين دمشق وأنقرة في إطار حماية المصالح العامة لكل من الدولتين في المنطقة.
بين التفاوض من عدمه تبرز مشكلة الكورد مرة أخرى حيث لا توجد رؤية دولية واضحة تجاه هذا الأمر في روجافا والحديث حول هذا الموضوع لا يخرج من إطار الملف السوري، أي لا توجد أية خصوصية للكورد في روجافا في الملفات الامريكية، أما الجانب الروسي والذي يبيّن أحياناً من خلال تودّده لبعض تنظيمات الـPKK أنه مهتمٌّ بالشأن الكوردي إلا أن الحكومة الروسية أيضًا وهي الحليفة الداعمة لنظام الأسد لم تبين أي مشروع يهمُّ الجانب الكوردي في هذه المنطقة وهذا ما يُعقّد الأمور، ويضعها في خانة صعبة.
والأصعب من ذلك، السياسات الخاطئة التي تتبعها الادارة الذاتية التابعة لحزب العمال والبعيدة تماماً عن أي مبدأ كوردي قومي وطني وإنساني، حيث حملات الخطف والاعتقال وحرق المقرات والتجاوز على أحزاب المجلس الوطني الكوردي مستمرة، هذا بالإضافة إلى التدخُّلات السافرة في الشأن الداخلي لاقليم كوردستان وتهديد امن واستقرار الاقليم بدليل تورطهم في الحرائق التي حصلت مؤخراً في اربيل ودهوك بل وحتى في كركوك، مما يضاعف الحيرة لدى المواطن الكوردي في داخل وخارج روجافا والمترقّب لأي حل للخروج من أزماته الحالية دون أن يرى أية حلول تلوح في الأفق.
من جانب آخر، تسببت هذه السياسات في خلق جو متوتر في تركيا حيث تتحجج السلطات التركية يومياً بأي تصرف لتفرض أحكاماً بالسجن أو الإبعاد لرؤساء بلديات ومسؤولين في المدن الكوردية بتركيا على الرغم من وصولهم إلى هذه المناصب عن طريق الانتخابات، مع استمرار اعتقال دميرتاش وبقاء مصير أوجلان مجهولاً.
كما ساهمت هذه الأطراف ايضا في زيادة التعنت الايراني تجاه المعارضة الكوردية الإيرانية والمهدّدة بالاستهداف في أي وقت على الرغم من التعهّدات التي أطلقت من قبل السلطات الايرانية الجديدة بعدم التجاوز على سيادة العراق وإقليم كوردستان، ولكن لا توجد أية ضمانات لإيفاء الجانب الإيراني بتعهداته وخصوصاً بعد مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران.
من هذه القراءة يتّضح للجميع أن الدول الكبرى والساعية للحفاظ على مصالحها، تبادر وفي احلك الظروف الى فتح صفحات جديدة مع الاطراف التي تتخالف معها في الرؤى ووجهات النظر، بينما يسارع الـPKK دوماً إلى كلّ ما يتسبّب بإعاقة كل تطوُّر كوردي ينتظره شعب كوردستان، فهذه المنظومة تستغلُّ كل فرصة لاستفزاز تركيا باستهداف قواعدها العسكرية لتقوّي بذلك المبررات التركية في البقاء داخل أراضي الإقليم وعدم القبول بأية مبادرة للتقارُب مع الجانب الكوردي والذي تلخصه تركيا في حزب العمال الذي تضعه تركيا في قائمة الإرهاب.
وإن كان استمرار التجربة السياسية في كوردستان مرتبطاً دوماً بعدم إغلاق باب الحوار من قبل القيادة السياسية في الإقليم، فما الضير من الاستفادة من هذه النقاط الايجابية ووضع المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع لتقبل وجود واقع كوردي موحد في سوريا برغم الاختلافات في وجهات النظر؟
ألم تكن الجولات المتكررة لرئيس الإقليم ولرئيس الحكومة لانقرة ودمشق، ولكل عواصم العالم واستقبال قادة الاقليم بكافة الاجراءات البروتوكولية الرسمية ورفع علم كوردستان ونزول رؤساء ومسؤولي الدول في الإقليم تحت ظل راية كوردستان سببا في أن يكون للإقليم موقعٌ مميزٌ يُشاد به على مستوى العالم؟
لكن إفلاس المنظومة الفاشلة لـPKK يفسّر هذا الموقف عن طريق قياداته وأبواقه الإعلامية بالخيانة والابتعاد عن المبادئ القومية في حين أن إدارات الـPKK الذاتية ترفض كلمة كوردستان وكأنها تخجل من الهوية القومية، ولا ينشر إعلامها أكثر من الأكاذيب والتلفيقات (والتي طالتني أنا شخصياً بتشويه الكثير من كلامي واختلاق تصريحات لا تصلح حتى كنصوص لقصص خيالية).
إن مانراه اليوم ومن خلال هذه القراءة السريعة في الموقف الدولي والسعي من أجل الحفاظ على المصالح والنفوذ لهذه الدول في سوريا وعموم المنطقة تعيدُ إلى الأذهان السيناريوهات ذاتها التي شهدناها في نهاية تسعينيات القرن الماضي بعد التقارب التركي السوري والذي انتهى باعتقال زعيم الـPKK عبدالله اوجلان في صفقة سياسية برعاية أمريكية، والمواجهات المسلحة في بعض المناطق بروجافا وخصوصاً في الحسكة بين قوات (قسد) وجيش البعث بينت مدى حماسة حكومة البعث في القضاء على كل مايتعلق بهذا التنظيم الذي لم يأخذ العبر والدروس من الماضي، ولم يتعلم أن بقاءه مستقوياً على الوضع السياسي وأحوال الناس لن يفيده بشيء، وإن الجميع يراهن على إعادة ما حصل في عفرين وسري كانييه وگرێ سپی بتسليمها على طبق من ذهب.
لقد أثبتت تجربة الإدارة الذاتية أنها لا تسلكُ طرقاً غير الإقصاء السياسي ونفي الاخر وعدم تقبل الشراكة، بل والحث على التفرقة والتشرذُم والتشتت، هم ينتشرون بقواتهم غير القانونية في سنجار وهو ليس بمكانهم، ولايمتون له بأية صلة، وهم أيضا يعلمون على محو الهوية الكوردية من الكورد الايزيديين، ويحاولون بين الفينة والأخرى إشعال نار الفتنة بدعم وتوجيه من أطراف ميلشياوية في العراق ولا تقتصر حملات الاعتقال لديهم إلا على مثقفي وسياسيي الكورد من المعارضين لسياساتهم مع استمرارهم في تصدير الجواسيس للإقليم تحت مسمّى نشطاء وصحفيين.
بالمختصر.. أثبتت أنها أفشل تجربة سياسية تحسب على تاريخ الكورد، وبهذه النتيجة لن يكون أمام الدول الكبرى المتصارعة إعلامياً والمتفقة في الخفاء إلا أن تسلك بدورها سياسة الاقصاء تجاه الملف الكوردي وترك هذا الملف معلقاً بين التقارب والخلاف التركي – السوري، وفي كلتا الحالتين لن يكون هناك قربان أسهل من الإدارة الذاتية للتضحية به من قبل الطرفين في تكرار لذات سيناريو الاتفاق على لواء الاسكندرون وتخلّي نظام الأسد عن الـPKK ، فهل من أمل على وجود بصيص أمل لمراجعة السياسات العامة من قبل الإدارة الذاتية أم سنكون أمام واقعٍ مُرٍّ بمصير معلّق بين دمشق وأنقرة؟