صالح محمود: على أعتاب الغرب تتكسر الرجولة

صالح محمود: على أعتاب الغرب تتكسر الرجولة

صالح محمود

من الخطأ أن نحمّل الربيع العربي كل ما جرى في هذه البلاد من مآسي وآلام، لقد كان الربيع العربي صرخةً في وجه الاستبداد والظلم والديكتاتوريات أيضاً وفيما إذا كانت هذه الأخيرة راسخة وقوية وصعبة المراس في هذه المنطقة فهذا ليس ذنب الربيع العربي، وهو لا يتحمل مسؤولية بقائها، فالديكتاتوريات في هذه المعمورة وهنا في شرقنا صامدة لا تزول، في الحالات القصوى الديكتاتورية تُستَبدل بديكتاتورية أخرى جديدة ليس إلا، وهذا ما اعتدنا عليه وهو واقع مرٌّ وأليم، فالديكتاتورية كامنة ومعششة في دواخلنا وفي ذواتنا وفي دمائنا، ومن الصعب أن تغادرها، كل رجل شرقي هو مشروع ديكتاتور صغير قائم بذاته، في أسرته وعلى زوجته وأولاده.

في شرقنا الرجل هو حارس للمرأة وقوّام عليها وهو بمثابة الوصي والمطلوب منه أن يوفر لها الحماية أيضاً، لأننا نعيش في مجتمع يفتقد إلى الحرية والمساواة والرجل هو الأداة الأولى للاستبداد في هكذا حالة وهو الذي يمارس الديكتاتورية بالنيابة عن النظام السياسي المستبد.

أما في الغرب فالأمر يختلف تماماً فالرجل يفقد هذه الوظيفة ويتوقف أن يكون وصياً أو قوّاماً وأن يكون ربُّ أسرة أو المسؤول الأول عنها، فالدولة تسحب منه هذه المهمات وتجرّده منها، وتتحوّل هذه الصلاحيات إلى جهة أخرى هي الدولة، فالحكومات الأوروبية مؤلفة من رجال ونساء وهي تطبق القانون، وتحمي حقوق الجميع وحماية المرأة والأولاد ليست مسؤولية الرجل بل هي مسؤولية الدولة والحكومة وتقع على عاتقها هي، لذلك يتزعزع موقع الرجل بسبب تغيُّر المفاهيم، فبدل أن يكون الرجل الآمر الناهي والحاكم المطلق الذي بيده كل شيء وبيده مفاتيح الحل والربط في كل المسائل يغدو كائناً مسكيناً أمام الواقع الجديد حيث يفقد الكثير من الأشياء، وتسحب منه امتيازات ويتحول إلى كائن آخر تائه فقد دوره الذي اعتاد عليه، ومن هنا تبدأ مسيرة الضياع والتوهان وتليها مشاعر الاغتراب والندم وتتشخص فيها الأنظار نحو الخلف ولكن دون جدوى، لقد غدا عارياً ووحيداً وأن فكر بالعودة سيعود وحيداً، لقد بات مسلوباً من كل شيء حتى من زوجته وأولاده، فالرجولة بالمعنى الشرقي - في أوروبا- تتهاوى، وتتلاشى، وتأخذ طابعاً مختلفاً وتنحرف نحو اتجاهٍ آخر وهي بشكلها التقليدي أو الكلاسيكي تفقد القدرة على الاستمرارية والبقاء، فتركيبة المجتمع في الغرب تختلف عما عليه هنا، فالرجل هناك يساعد المرأة في الطهي والطبخ والجلي وتدبير مختلف الأعمال المنزلية وخدمة الأطفال، أما في الشرق الإسلامي فهو ربُّ البيت والأسرة وهو الإله الذي يجب على الآخرين أن يقوموا بخدمته ويقدّموا له فروض الطاعة، فهو هناك في الغرب يخسر عرشه وكرسيه ومكانته، ويتوقف أن يكون متسلطاً على أحد ويكفيه أن يكون قوّاماً على نفسه فقط، فالأمور لا تبقى على حالها والمفاهيم تتغير، وتتحوّل والأدوار تتبدل وبالتالي يُهمّش الرجل وتهمّش الرجولة، ويتغير كل شيء، فأوروبا تعيد بناء الرجل وتعيد ترتيبه من جديد وبطريقتها الخاصة وحسب منطقها وظروفها، ففي الشرق للرجل القيادة والسيادة، أما هناك في الغرب فهذا الأمر غير وارد وهو يأتي في الطابور الأخير من حيث القيمة، ويكون عاملاً وخادماً للأطفال وللمرأة ولن يفيده ذلك الصراخ الذي كان يطلقه هنا في الشرق ويتوقف أن يكون ديكاً.

في الشرق نفس المشهد يتكرر لآلاف المرات ديكتاتورية تُزاح لتحلَّ محلها أخرى أقوى وأمتن ومهما قامت ثورات ومهما أريقت دماء فالوضع ثابت لا يتغير فأي ثورة قد تكون بداية تحول أو قد تكون منعطفاً ما ولكن الشيء المؤكد أنها لن تستطيع ولن تفلح مهما كانت قوتها وجبروتها أن تقضي على ظاهرة الديكتاتورية ولا شك في ذلك، ودومًا نتائج الثورة مؤلمة وموجعة فهي تكون مترافقة بمآسي وويلات وضحايا ودماء، لذلك من الأفضل أن تختار المجتمعات التحول الصامت والبطيء، لقد حدد المفكر الفرنسي روسو طريقتين لتحوُّل المجتمعات أولها طريقة التمرد أو الثورة، والثانية طريقة التربية والتهذيب ولكن بعد الذي جرى أثناء ثورات الربيع العربي، أليس من الأفضل الانحياز إلى خيار التربية والتطور التدريجي اللطيف والهادئ ؟عليك أن تزرع فكرة كما تزرع شجرة، وترعاها، وتسقيها، وتنتظر النتائج، وتنتظر نموها هكذا افضل، فالتحوُّل الحقيقي والقابل للبقاء والمداومة هو الذي يجري عن طريق التربية و اللين، أما العنف الذي يرافق الثورة فهو مدّمر وقاس ومؤلم.