أجساد لا تتحمّل البرد.. كيف تكون دروعاً بشرية؟

أجساد لا تتحمّل البرد.. كيف تكون دروعاً بشرية؟

شفان إبراهيم

عبارات جديدة راحت تظهر في هذه الحرب، على شاكلة «خسائر عرضية»، وهو مصطلح خُصص للمدنيين في الحرب الذين فقدوا حياتهم أثناء استهداف منطقة ما، شُك أو ظُن بأنها عسكرية، أو كانت خليطاً من المدنيين والعسكريين، والمصطلح هو للتغطية على قتلهم، وأن السعي لم يكن مقصوداً نحوهم، بل حصل «خطأ».
فاذا كانت الأجساد هشّة وطرية، فكيف لها أن تتحول لدروعٍ بشرية؟ من سيتحمل المسؤولية؟ هل هو من يدفع بالأهالي كدروعٍ لا تتحمل سقطة حجرة، فكيف بقنابل تزن أطناناً؟ أم من يقصفها دون واعزٍ أو خوف؟ أم الأهالي أنفسهم؟
وإن كانت هذه آخر الاحتمالات وأضعفها وأكثرها بُعداً عن الإنسانية. بكل المقاييس فإن من يقتل البشر عبر القصف، ومن يدفع بهم للموت كدروع، يختلفون في كل شيء، ما خلا تبخيس قيمة وأهمية الآخرين، أو اعتبارهم خُلقوا ليموتُوا عوضاً عنهم، وبالمحصلة يتفق من يعتقد أن فقدان أعداد كبيرة لحياتهم دفاعاً عن وجود كيانات حزبية أو سياسية أو عسكرية، مع مَنْ ينظر لقضية فقدان أعداد هائلة منهم لحياتهم أثناء السعي لتحقيق هدف عسكري، يتفقان على إنه حقٌ طبيعي ومشروع.
وفقًا لهذا الطرح الخبيث والمريب، فإن المدنيين فقدوا حياتهم دون أن يُدركوا موجبات موتهم.
كثرٌ، ما عادوا يُصدقون المرويات البطولية، وسرديات المظلومية، وقصص الغدر الدولي، وقضايا نقص الإمداد...إلخ ينتظرون بفارغ الصبر، ما ستُسمى هذه الأيام، على شاكلة النكسة والنكبة، وهما حدثان هُزمت فيه الأنظمة العربية، وأُفرغ القانون الدولي من محتواه، لكن نُخباً وحكومات عربية راحت تُجمّل تلك المآسي؛ خجلاً واستحياءً من شعوبهم التي كانت تصدّق رواياتهم حول الانتصار القريب، والسحق المميت للعدو، ليستفيقوا ذات يومٍ على وقع هزائم مريرة، وانكساراتٍ شديد.
بعد عامٍ من الحرب، فإن فلسطين وحالياً لُبنان، ومن يدري الدور القادم على مَن؟ تعيش لحظة نفسية واحدة، حيث الخوف والموت شريكاً لها في كل ليلة، ولا صوت يعلو فوق صوت القذائف، وشريان الحياة الجديد هو الموت والدمار، ولا يربطها مع العالم سوى لحظة إذاعة نجاة أحدهم من صاروخٍ أو قذيفة، والأكثر بشاعة من كل هذا، أن نتخيل أن سيدةً ما ستلدُ في لحظة سقوط قذيفة بالقرب منهم، أيٌ مستقبلٍ ينتظر اللبنانيين والفلسطينيين مع كل هذا الكم من "يبسة" الرأس أمام توافق دولي لا رجعة عنه على إتمام ما شرعنته لنفسها، مع استمرار غياب مفهوم الحق والعدالة؟؟