الانتخابات الكردية وسخونة المنطقة
الانتخابات الكردية وسخونة المنطقة
صبري رسول (صحيفة كوردستان)
باتت منطقة الشّرق الأوسط من أكثر المناطق سخونة وخطراً، وتتصدّر قائمة الأحداث السّياسية والعسكرية المقلقة في العالم. في قلب هذه الأحداث جرت انتخابات هادئة ونزيهة في إقليم كوردستان.
القلاقل، التّهديدات، المعارك العسكرية، الخطابات النّارية لكلّ الأطراف وانجرارها إلى المعركة تدلّ على هشاشة الدّول القائمة، وإلى شهوة الاستبداد والتّسلط، وسيطرة الميليشيات العسكرية خارج مؤسسات الدّولة على القرار السّيادي، قرار السّلم والحرب.
هذا ما كانت قبل 7 أكتوبر 2023 وهذا ما كشفته الحرب الدّائرة في غزّة ولبنان، ناهيك عن سيطرة أذرع إيران على اليمن، وسوريا والعراق وتبعية حكوماتها لولاية الفقيه.
هذه الشعوب لم تنتج دولاً ومؤسساتٍ للحفاظ على مصالحها، وتقديم الخدمات إلى شعوبها، وتمثّلها في القرارات المصيرية، تركت هذه الدّول فجوات واسعة لانتعاش الطائفية، ولتسلّل القوى الأخرى إليها واحتكار قراراتها وتسخيرها لتحقيق أهدافٍ لا تعني الشّعب بل للآخرين.
الحربُ أنهكتْ دول المنطقة، وأوصلت اقتصاداتها إلى الانهيار، وأرهقت شعوبها، وأثبتت فداحة أخطاء الحدود الجغرافية والسياسية الحالية، وقبلها، وقبل كلّ شيء، أكّدت على أنّ الأحزاب السياسية المتطرفة «حزب الله، حماس، حركة الحوثيين» لا تمثّل مصالح شعوبها، وأنّها مستوردة من الخارج، ومصير حركات كهذه سيكون قاتماً بعد أنْ تلحق الدّمار بشعوبها. إسرائيل استغلّت هشاشة هذه الدّول التي فشلت في منع إيران من الاستحواذ على قوى تتبعها وتنفّذ أوامرها في داخلها، فوجّهت ضربات قاسية ونوعية لحماس وحزب الله، خاصّة أنّ الأخير هو الآخر بنت لنفسها أذرع في سوريا، واليمن، وينظر إلى نفسه بوصفه قوة كبيرة، لن تكفيه السّاحة اللّبنانية، بل إنّه أكبر من لبنان نفسه.
الأحزاب السياسية من هذه الماركة ترى نفسها أكبر من شعوبها وقضاياها، فتورّط نفسها وشعوبها في حروبٍ لا تعرف سبيل الخروج منها.
تحت صفير الصّواريخ الإيرانية المتّجهة إلى إسرائيل والمنطلقة من إيران جرت انتخابات برلمانية في إقليم كوردستان، تحت مراقبة محلية، وعراقية ودولية دقيقة، أفرزت عن تشكيلات وتعبيرات سياسية في كوردستان، وكان لنجاح العملية الانتخابية صدى إيجابي في كلّ الأوساط، رغم احتباس السّاسة في المنطقة أنفاسها تخوّفاً من الرّدّ الإسرائيلي على إيران في أيّ لحظة.
يُقاس نجاح العملية الانتخابية بأمور كثيرة منها نسبة المشاركة في الاقتراع التي بلغت 72% من الناخبين، وفي انسيابية العملية وعدم حدوث مشاكل في المراكز، عدا بعض المشاكل الفنية كعدم قدرة الأجهزة في قراءة البصمات.
ويتطلّع الكوردستانيون إلى تشكيل حكومة جديدة تعمل لتقوية مؤسسات الدّولة وتعزيز الدّيمقراطية ودعم التنمية الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية وترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان.
هذه المرة الأولى التي تُنَظّم الانتخابات من قبل مفوضية الانتخابات الاتحادية التي أكّدت بأنّها كانت ناجحة.
جرت الانتخابات في هذه البقعة الفيحاء، رغم مشاكل العراق الكبيرة، لكن ما يحدث في المنطقة المحيطة بكوردستان والشرق الأوسط من حروبٍ صاروخية والكترونية مؤشّر خطير إلى حجم الكوارث التي ستنتج عنها، وتغافلت عنه دول المنطقة، رغم أنّه ليست المرة الأولى، لكنّها الأقسى، وكأنّ البعد الجغرافي لحدودها مع جبهة النّار سيحميها من الشّرارات المتطايرة، هذه الدّول، منها دول الخليج، ومصر، كان يجب عليها عدم دعم الميليشيات المسلحة خارج الدولة تحت شعارات «المقاومة والممانعة» التي لم تجلب سوى تدمير الدّول والدّمار، المُستثمِرُ الوحيدُ لهذه الحرب هي إيران التي حاولَت تجنّب الاحتكاك والتّصادم المباشر مع إسرائيل، مكتفية بأذرعها العسكرية في غزّة ولبنان، لكنّها انجرفت إليها ووقعت في الفخّ الإسرائيلي ذي الهندسة الحربية البارعة.
شتان ما بين ما يجري في غزة ولبنان من كوارث تدميرية جلبتها أحزاب أصولية متطرفة وبين الواحة الفيحاء في إقليم كوردستان، هناك ستنبثق قوى سياسية جديدة أو كانت هشّة تحت سيطرة حزب الله، وهنا في كوردستان قوى سياسية فيصلُها صناديق الاقتراع، ورغم تكالب قوى الشّر في العراق وإيران ضده إلا أنّه نجح في توفير الاستقرار والسّلام والعيش الكريم لمواطنيه، ومازالت وتيرة التنمية الاقتصادية مستمرّة.
أحد أهمّ أهداف إسرائيل في ضرباتها القاسية على لبنان هو اجتثاث «حزب الله» من السّاحة السّياسية والعسكرية، وبذلك يتمّ تقليم النفوذ الإيراني إقليمياً، فتكون هنا قد تتوفّر فرصة للبنان لاستعادة قراره المستقل عن إيران إذا توقّفت الحرب.
وقد يعود تحجيم نفوذ إيران إلى النفع لكلّ شعوب المنطقة التي تعاني من التدخلات الإيرانية المباشرة، بالتزامن مع ذلك قد تكون الانتخابات الجديدة مرحلة مفصلية في حياة الإقليم الكوردستاني، وستشهد الأيام القادمة بداية لبناء تحالفاتٍ جديدة لتشكيل حكومة الإقليم.