الحركة الكوردية لا تمتلك رفاهية الانتظار
تورين شامدين
تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيُّرات كبيرة في الموازين السياسية والتحالفات الإقليمية، وهي مرحلة تحمل في طياتها فرصاً كبيرة للتغيير، خاصة للكورد في روج آفا.
إن هذه السنوات الأربع المقبلة قد تكون مفتاحاً لإعادة تشكيل الوضع السياسي والجغرافي للمنطقة، لكن استغلال هذه الفرصة يعتمد بشكل كبير على قدرة الكورد على الوحدة والتنسيق وتجاوز الخلافات الداخلية.
تاريخ الكورد حافل بالنضال، ولكنه يحمل أيضاً دروساً قاسية عن الخلافات التي أضاعت فرصا حقيقية للتقدم. اليوم، أمام الكورد في غربي كوردستان تحدّ كبير يتجاوز حدود المصالح الحزبية الضيقة ويتعلق بمستقبل أجيالهم القادمة. العالم يراقب، والتاريخ لن يسامح من يفوت هذه الفرصة.
غربي كوردستان يمتلك اليوم قوة ميدانية، وقاعدة شعبية صلبة، واعترافاً دولياً محدوداً، ولكنه واعد، فإن هذه المكاسب قد تكون مؤقتة إذا لم يتم تحصينها بمشروع سياسي واضح وموحد يتجاوز الخلافات الحزبية، ويتبنى رؤية مشتركة تخدم الشعب الكوردي بكلّ مكوّناتها، التغيرات الحالية على الساحة الدولية تمنح الكورد نافذة للتفاوض مع اللاعبين الكبار، سواء في واشنطن أو موسكو أو العواصم الأوروبية. كما أن التحالفات الجديدة في المنطقة، وخاصة تقارب بعض القوى الإقليمية مع الكورد في العراق، يمكن أن تكون ركيزة لتحقيق مكاسب دبلوماسية لغربي كوردستان. هذا الدعم الدولي لا يمكن أن يكون فعالاً إذا لم يقابله موقف داخلي موحد.
القوى العالمية لن تستثمر في كيان منقسم على ذاته أو في مشروع لا يحمل رؤية واضحة، لقد أضاع الكورد عبر تاريخهم الحديث العديد من الفرص بسبب التردد أو غياب القرار الموحد، ولكن المرحلة الحالية لا تمنحهم ترف الانتظار أو التحرك البطيء. المتغيّرات الدولية والإقليمية تحدث بسرعة، وأي تأخير في اتخاذ خطوات جدية سيجعل الكورد خارج معادلة الصراع والتفاوض.
في السياسة، لا مكان للانتظار عندما تكون الظروف مهيأة للعمل. التحالفات تبنى، والمواقف تفرض على الأرض، ومن يتردد يفقد شرعية تمثيل قضيته.
على الحركة الكوردية أن تدرك أن الزمن ليس في صالحها إذا لم تستثمره جيداً، وأن كل يوم يمرُّ دون اتّخاذ خطوات ملموسة هو خطوة إلى الوراء.
على الأحزاب الكوردية في غربي كوردستان أن تضع الخلافات جانباً، وتبدأ حواراً جاداً لتشكيل مجلس قيادي موحد يكون صوتاً واحداً في المحافل الدولية. والتركيز على بناء مؤسسات حكومية ومدنية تدار بشفافية وكفاءة، تعكس تطلعات الشعب وتكون نموذجاً للإدارة الناجحة.
على الكورد العمل على تعزيز العلاقات مع القوى الإقليمية التي ترى في وجود غربي كوردستان عامل استقرار، مع التركيز على التعاون الاقتصادي والأمني.
لا يمكن تحقيق الوحدة بدون إشراك الشعب في الحوار السياسي، وضمان أن تكون جميع المكونات في غربي كوردستان جزءاً من القرار المصيري.
الشباب الكوردي في غربي كوردستان هم العنصر الأهم في بناء المستقبل. تمكينهم وتعزيز دورهم في السياسة والاقتصاد سيخلق قاعدة متينة للمشروع الكوردي.
إن السنوات الأربع القادمة هي فرصة ذهبية لن تتكرر للكورد إذا أضاعوها بسبب الخلافات أو الحسابات الضيقة، فإن الأجيال القادمة ستدفع ثمن هذا الفشل، والتاريخ لن يرحم. أما إذا استغلوها بحكمة ووحدة، فإنهم سيكتبون صفحة مشرقة في تاريخ المنطقة.
الكورد في غربي كوردستان أمام مفترق طرق: إما أن يكونوا أصحاب إرادة جماعية تفرض وجودها في المعادلة الإقليمية، أو أن يغرقوا في تفاصيل الخلافات التي أضعفتهم لعقود.
الخيار بأيديهم، والمسؤولية على عاتقهم. في هذه اللحظة التاريخية، عليهم أن يتحرّكوا بسرعة، لأن رفاهية الانتظار ليست خياراً متاحاً.