إضاءات لا بد منها....للتاريخ
د. عبدالحكيم بشار
يبدو أن البعض من فلول النظام البائد و منتسبي الخط الثالث ( اللاموقف ) لم يستفيقوا من هول صدمة سقوط النظام الاستبدادي والذي سلط ممارساته العنصرية والقمعية على رقاب السوريين لأكثر من خمسة عقود.. فكانوا من مانعي رفع علم الثورة وحماية أصنام النظام و التشويش على ثورة الشعب السوري، فكم من الشباب الكوردي اعتقلوا وأهينوا لرفعهم علم الثورة؟
كم من المظاهرات الكوردية قمعت لاستمالة شعبنا وعدم تفاعله مع أبناء سوريا؟
بعد ندلاع الثورة السورية بأيام معدودة كان العيد القومي للكورد( عيد نوروز)، ودون الدخول في التفاصيل زارني في خيمتي الكبيرة وبوجود العشرات من الرفاق والوطنيين، محافظ الحسكة اللواء معذي نجيب سلوم برفقة معاونيه وقائد شرطة المحافظة ومدير منطقة القامشلي العميد عبدالباسط الذي انشق فيما بعد .
كان الهدف من الزيارة استمالة حزبنا الذي يعتبر الحزب الرئيسي والمؤثر والامتداد لنهج المشروع القومي الكوردي، إلا أن موقفي كان صارما حتى على الصعيد البروتوكولي تقصدت أن لا استقبلهم إلا في مدخل الخيمة كنوع من عدم الرضا عن الزيارة.
وكان حديثي المقتضب هو التالي:
سيادة المحافظ جئتم متأخرين بعدما هدرتم دم السوريين في درعا فاننا لن نكون إلا مع السوريين هذا موقفنا.
ثم القيت كلمة قلت فيها قسما بشهداء انتفاضة 2004، الكوردية وبشهداء درعا سنستمر في نضالنا حتى يتحقق التغيير الديمقراطي في سوريا والحقوق القومية للكورد، وبعده بأشهر نشر الذباب الإلكتروني واتباع النظام صور مقتطعة يظهر فيها صورتي إلى جانب ضابط مدعيين بلقاء امني بيني وبينه دون خجل لتضليل الشارع وللنيل من إرادتنا.
وفي الشهر الخامس اتصل معي محافظ الحسكة تليفونيا وقال لي: إن سيادة الرئيس بشار الأسد يرغب في اللقاء معك في أقرب وقت اعتذرت وقلت: انني لوحدي لا أمثل الحركة الكوردية.
بعد عدة أيام اتصل معي ثانية وقال السيد الرئيس يرغب باللقاء معك والسيد حميد درويش ونصر الذين أبراهيم، اعتذرت مرة ثانية لنفس السبب.
وفي أحد سفراتي إلى دمشق وكنت برفقة الرفيق مهابات تزياني، اتصل معي مسؤولاً من القصر مرة ثالثة قائلا السيد الرئيس يرغب باللقاء معك، اعتذرت للمرة الثالثة، وفي المرة الأخيًرة ومن خلال السيد نصرالدين إبراهيم ارسل طائرة خاصة لمطار قامشلو للقاء مع سكرتيري الأحزاب الكوردية حينها كان موقفي التريث باللقاء، وبعدها رفض اللقاء وأنا على قناعة بأن عدد من سكرتيري الأحزاب الأحياء سيشهدون انني كنت السبب الرئيسي في عدم لقاء الحركة الكوردية برأس النظام.
في الشهر 11 من عام 2011 لم أعد أتذكر التاريخ بالضبط جاءني صديق موثوق أصر علي بالخروج من عيادتي بقامشلو لحديث خاص تركت مرضاي، قال لي الصديق:
كنت في مجلس مشترك بين الأمن العسكري للنظام وحزب الاتحاد الديمقراطي( pyd) في ديريك حيث تقرر تصفيتك خلال أيام وتم مناقشة وضع السيد نصرالدين برهك وهو أيضا علئ اللائحة و لم يصدر الأمر بتصفيته بعد دوره بعد دورك هكذا قال لي، والصديق لا يزال حيا يرزق وطلب مني مغادرة سوريا بأقصى سرعة.
وفي اليوم الثاني جاءني صديق آخر للعيادة أيضا لا يزال حيا يرزق ومسكني من ذراعي وقال دعنا نخرج، حاولت التريث إلا انه أصر وقال الأمر هام وطلب مني الخروج من سوريا اليوم قبل الغد.
وفي تفاصيل الصديق الآخر، كانت اللجنة الأمنية في محافظة الحسكة قد عقدت اجتماعا أمنيا طلب فيه رئيس فرع أمن الدولة أحمد ديب التخلص من الدكتور عبدالحكيم بشار، وطلب ذلك بإصرار إلا أن المحافظ اعترض عليه بشدة قائلا": إنه شخصية معروفة وله مكانة بين الكورد فأي إجراء نحوه يحتاج إلى موافقة دمشق وبالفعل تم رفع برقية إلى دمشق بمعالجة وضعه والنتيجة أما الإغتيال او سجن صيدنايا.
بعد انتهاء الاجتماع الذي حضره السيد العميد عبدالباسط مدير منطقة القامشلي ، الشخصية الذي يحظى بمحبة جميع أهال القامشلي، هو الذي ارسل لي الصديق المشترك، للخروج من سوريا فورا، وفعلا في اليوم التالي ذهبت سرا إلى ديرك ورتب الرفيق المختفي قسرا لدى قوات سوريا الديمقراطية خروجي بشكل آمن من سوريا، عبر نهر دجلة إلى إقليم كردستان العراق، وبعد أربعين يوما" من خروجي من سوريا تم اغتيال السيد نصر الدين برهك عضو المكتب السياسي لحزبنا وشهيد الثورة السورية والقضية الكوردية، وكذلك تم اختطاف بهزاد دورسن عضو المكتب السياسي لحزبنا لأنه كان في خندق الثورة والدفاع عن قضية شعبه.. ولايزال العديد من مناضلي شعبنا ومن بينهم الضباط الكورد الثمانية الذين انشقوا عن النظام المجرم، مختفين ومغيبين في سجون سلطة الوكالة.
وكنت قد تلقيت دعوة من وزير خارجية بريطانيا السيد وليم هيك لزيارة بريطانيا واللقاء به وقد حصلت على فيزا مستعجلة من خلال سفارتهم في دمشق قبل ذلك بشهرين تقريبا، زرت بريطانيا وأثناء تواجدي في لندن تلقيت دعوة لزيارة فرنسا وأخرى لزيارة أمريكا .
زرت فرنسا والتقيت بالمسؤولين هناك وأجلت السفر لأمريكا، بسبب تضارب الزيارة مع مؤتمر للجالية الكوردية في أربيل برعاية الرئيس مسعود بارزاني مما دفع بمسؤول امريكي كبير هو السيد فريد هوف مدير دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الأمريكية إلى زيارة لندن حيث التقينا حوالي ساعتين من الزمن.
بعد عودتي لاربيل وانتهاء مؤتمر الجالية الكوردية لم أعرض على الأشقاء التهديدات التي تحيط بي واعدت نفسي للعودة إلى القامشلي، وقبل موعد عودتي اتصل معي احد كبار المسؤلين في إقليم كوردستان، تربطني به صداقة قديمة
وقال لي بالحرف:
ما هو برنامجك؟
قلت: سأعود إلى القامشلي بعد أيام، وأنا بصدد ترتيب العودة قال لي المسؤول بالعامية: ( ما يصير ترجع للقامشلي ولسوريا) قلت له هل أنا معرض للاعتقال فليكن.. قال لي: يوجد قرار باغتيالك وليس اعتقالك، وطلب مني التاكد من خلال الأجهزة المعنية بالإقليم والذين أبلغوني مشكورا بصحة قرار الاغتيال، وطلبوا مني البقاء في الإقليم، ولن ادخل في تفاصيل الإجراءات التي تم اتخاذها في الإقليم مشكورين لحمايتي.
في زيارتي لطهران بدعوة من الخارجية الإيرانية الشهر التاسع من عام 2013 وكانت الزيارة بعد التشاور مع الكثير من الشخصيات الكوردستانية المهمة، وكان معي الرفيق سعيد عمر، أجرينا عدد من اللقاءات، أحداها مع ضابط أمن كبير أدعى انه مسؤل الملف السوري، دون الخوض في التفاصيل لانها طويلة حيث قدم لي العرض التالي :
نحن ايران نتكفل بإدخال لشكري روژ ( وهي قوة عسكرية عائدة للمجلس الوطني الكوردي من الكورد السوريين تم إنشاءها وتدريبها وتأهيلها في إقليم كوردستان العراق).
وسنقدم لهم السلاح اللازم وسيكون تحت تصرفك عشرات الملايين من الدولارات ولكن بشرط واحد أن تكون قيادة هذه القوات بإمرتنا وإمرة النظام كما هو الحال مع YPG، طبعا رفضت العرض بشكل نهائي، وفي اثناء الحوار عرض علي إمكانية اللقاء مع صالح مسلم، قبلت اللقاء معه وتوقعت ان نلتقي في وقت آخر، ولكن ما حصل كان صالح مسلم موجودا عندهم في غرفة أخرى ، وأيضا دون الدخول في تفاصيل النقاش لأنها طويلة، إلا ان الضابط الإيراني قال لصالح مسلم موجها إصبعه صوبه:
إن الذي يقرره ايران ينفذه انتم والعمال الكوردستاني ونوري المالكي وبشار الاسد دون نقاش ؟!
كان جواب صالح مسلم صادما لي حيث قال كل شي تضمنه ايران نحن نلتزم به .
ومع ذلك لايزال البعض من فلول النظام البائد يحاول تشويه سمعتي وسمعة بقية مناضلي شعبنا والتسويق لمن حمل سلاح النظام ضد شباب التنسيقيات الكوردية والمتظاهرين الكورد ومحاولة تلميع صورة من تسبب بتشريد مئات الآلاف من الكورد وارتكاب مجازر بحقهم.
إنهم يحاولون تلميع صورة من كان يمنع رفع علم الثورة حتى بعد انهيار النظام.
يحاولون تلميع صورة من كان يحرس تماثيل النظام البائد حتى بعد سقوطه بساعات، بينما يعملون لتشويه صورة من التزموا بالثورة ومبادئها وكان لسان حالهم بشكل تهكمي (ليش في ثورة بسوريا ؟؟؟؟) مع استعمال عبارات بذيئة بحق الثوار.
بعد سقوط النظام البائد فأن جل عملهم بات التستر على عورتهم السياسية وتشويه سمعة من كانوا في خندق الثورة منذ انطلاقتها، ومع ذلك لايزال فلول النظام البائد لم يستفيقوا من الصدمة وينشرون وثائق ملفقة ومزورة من صنع أسيادهم في دوائر النظام البائد.
لذا ننتظر باستكمال المرحلة الثانية من هدف الثورة السورية عبر التأسيس لدولة ديمقراطية، تعددية، لامركزية والأولوية تكمن في فتح المحاكم الوطنية بحق كل من أساء للثورة السورية وأجرم بحق مناضلي شعبنا من قتل وتهديد وترحيل قسري لتأخذ العدالة الانتقالية مجراها.
هذا سرد لبعض الوقائع الحية نضعها امام شعبنا كحقائق وليس في وارد المدح والأنا الشخصية، فتاريخ مناضلي شعبنا مدون في مدارس النضال، ولن تستطيع شلة من الغوغائيين والمأجورين والدخلاء على قضية شعبنا للنيل من عزيمتنا، وسنبقى مدافعين شرسين واضعين مصلحة شعبنا فوق كل الاعتبارات، فالمرحلة مفصلية وهي مرحلة الاستحقاقات ويتطلب منا بذل جهود مضاعفة لنيل شعبنا حقوقه القومية إلى جانب كل مكونات الشعب السوري، وهذا يستوجب كسب المؤيدين والمناصرين لجانب قضيتنا وهذا ما نعمل وعملنا عليه، ولن نلتف للتهويل والتشويش والنيل من عزيمتنا، فشعبنا عان الكثير وضحى بالكثير ويستحق أن يعيش بامان وكرامة، وهذا هو هدفنا أولا وأخيرا.