المشهد الكوردي المعقد في سوريا

 المشهد الكوردي المعقد في سوريا

عيسى ميراني
منذ أن سقط نظام الأسد -الذي جثم على نفوس السوريين أكثر من خمسة عقود- دخلت سوريا مرحلة جديدة، وكل ما جرى ويجري في سوريا هي نتيجة طبيعية لمجريات الأحداث منذ بداية الثورة السورية، وكان متوقعاً سقوطه دون معرفة الزمان، وما زاد من تعقيد الأزمة السورية هي التدخلات الإقليمية والدولية ولا سيما إيران وروسيا، وكما اعتقد أن هذا التأخير كان بسبب اختلاف المصالح للدول صاحبة القرار في المشهد السياسي للشرق الأوسط، وان ما عجّل هذه الأحداث السريعة هي تداعيات حرب غزة بين إسرائيل وحماس من جهة وبين إسرائيل وأذرع ايران، فكان قطع هذه الأذرع ضرورة لأمن إسرائيل، وكما يبدو أن هناك توافقاً دولياً، وتنازلات ومن بينها استبعاد نظام بشار الأسد من سدّة الحكم في سوريا، وما أتمناه ألا يكون استبدال طاغية بطاغية أخرى، والمشهد مازال غير واضح على الساحة، وهناك تخوف وقلق لأن القائمين على هذه الثورة كما يطلقون عليها هم مطلوبون للعدالة الدولية و أكثرهم كانوا ضمن تنظيم داعش، والكثير منهم من جنسيات غير سورية كالشيشان والاتراك وبعض العرب غير السوريين، وفي كل الاحوال إزالة حكم بشار الاسد ونظامه الدكتاتوري هو مكسب للسوريين وإن كان هناك بعض الخراب والتجاوزات.

مازال الوقت مبكراً للحكم على هذه الإجراءات الحكومية، لكن على العموم نقل القالب الحكومي من إدلب الى دمشق هو إجراء غير صحيح، وإن كان مؤقتاً، لأن حكومة اللون الواحد لن تستطيع ترسيخ الأمان في قلوب السوريين بعد سنوات من القهر والعذاب، وإن الكثير من إجراءاتهم هي موضع قلق للسوريين ولا سيما الطوائف والأقليات، وتهميشهم للمرأة هو جنون بذاته. فالمرأة السورية أثبتت في كل الأزمان أنها قادرة على الإبداع والإنتاج في كل المجالات العلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والاعتماد على النصوص الشرعية الإسلامية كقالب متجمد وتطبيقها في سوريا لن يكون ناجحاً وستجلب الويلات، لأن التاريخ أثبت أن حكم اللون السياسي والديني الواحد لن ينجح، وحكم تنظيم إخوان المسلمين بقيادة محمد مرسي في مصر خير دليل على ذلك.

إن سقوط حكم الأسد الدكتاتوري كان مكسباً للسوريين الذي عانى عقوداً من القهر والحرمان، حيث كان يتستّر وراء شعارات براقة كالاشتراكية والحرية وقضية فلسطين، وأثبت التاريخ كذبهم وافتراءهم، وما أتمناه ويتمناه كل السوريين هو أفعال حقيقية لصالح الشعب وليس شعارات براقة، إلا انني لست متفائلاً بمرحلة جميلة قادمة بسبب الخلفية الدينية لهذه الحكومة والمنظومة، ولن يستطيعوا تقديم الأـفضل، بسبب القوالب الجامدة للنصوص الدينية.

أما فيما يخص الشعب الكوردي وكغيره من السوريين عانى من سياسات النظام السابق وأدواتهـ من خطف واغتيالات وكم الأفواه، وفقد خيرة مناضليه بين استشهاد وإخفاء، أمثال الشهيد نصرالدين برهك وبهزاد دورسن وفؤاد ابراهيم ومشعل تمو. ويتطلع الشعب الكوردي الى مستقبل مشرق، إلا أن المشهد الكوردي مُعقّد للغاية بسبب وجود قوتين على الأرض، وكل منهما يتبنى سياسة مختلفة، الاولى تتبنى أخوة الشعوب والثانية تتبنى حقوق الكورد السوريين، وهذا الاختلاف يشكل عثرة كبيرة ولا سيما الطرف الأول يملك ترسانة عسكرية مدعومة أمريكياً، ومصدر قراره خارج الحدود الجغرافية لسوريا، وإن الشعب الكوردي في سوريا في هذا الوقت بحاجة الى ممثلين حقيقيين لإيصال مطالبهم الى مصادر القرار، وحتى يتحقق ذلك يجب اتخاذ مجموعة من القرارات والإجراءات لـ لملمة الشمل الكوردي، وهذه الإجراءات هي إثبات استقلالية القرار من خلال إخراج مقاتلي حزب العمال الكوردستاني من مناطق سيطرة قسد، والانفتاح على باقي الحركة السياسية، وخلق جو من الطمأنينة لأحزاب المجلس الوطني الكوردي، والابتعاد عن استخدام المجتمع لمصلحة طرف سياسي مهيمن، والخروج برؤية موحدة لتحقيق مطالب الكورد في سوريا الجديدة.