عمر كوجري: عن لقاء الجيل الثاني من العلاقات الكوردستانية- الفرنسية

عمر كوجري: عن لقاء الجيل الثاني من العلاقات الكوردستانية- الفرنسية

العلاقات التاريخية بين فرنسا والكرد قديمة وعميقة، ولفرنسا دور إيجابي في هذا الملف منذ ثورات القائد التاريخي للأمة الكوردستانية الملا مصطفى بارزاني، فقد ألغى الجنرال ديغول عقداً لبيع سربين من طائرات حربية لبغداد العام 1967 بعد رسالة للقائد البارزاني له أن الكرد متفهّمون لمصالح فرنسا، لكن ما ليس مقبولاً بيعها لطائرات ستقتل نساء وأطفال الكرد.

هذه العلاقات توطّدت أكثر منذ عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران الذي أكد للرئيس مسعود بارزاني حين التقاه في العام 1992 قائلاً: أبلغ الشعب الكردي بأن لديهم صديقاً فرنسياً وهو فرانسوا ميتران، وما دمت هناك سوف أدعمكم، ولكن إن رحلت فسوف يدعمكم الشعب الفرنسي".
وساهمت السيدة دانيال ميتران زوجة الرئيس الفرنسي الأسبق في تمتين العلاقات بين الكرد والفرنسيين، والتي زارت كوردستان منذ العام 1991 واللاجئين الكورد على الحدود الإيرانية العراقية، وساندت الكورد في قضيتهم، كررت زياراتها لكوردستان رغم الأجواء الأمنية غير المستقرة آنذاك، ومحاولات اغتيالها من قبل سلطة استخبارات النظام البعثي، كان الكرد في أتون حرب مُدمّرة من قتل وتدمير وتهجير شنّها نظام صدام حسين البائد عليهم، وكانت ميتران شاهدة على تأسيس البرلمان الكوردستاني العام 1992 استمرت هذه العلاقات في عهد الرئيس جاك شيراك، وتحت رئاسة ساركوزي، تم افتتاح مكتب للسفارة الفرنسية في أربيل بحضور وزير الخارجية الفرنسي كوشنار، وفيما بعد تحوّل المكتب لقنصلية، والتقى الرئيس مسعود بارزاني بالرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند في باريس بثلاث مناسبات.

هكذا يتبدّى لنا أن علاقات أربيل وباريس دائماً كانت متميزة ومتقدّمة حتى على علاقة باريس ببغداد.

اليوم.. الأربعاء، يدشّن رئيس اقليم كوردستان الشاب نيجيرفان بارزاني أولى زياراته الخارجية منذ تسنُّمه مهام منصب رئيس الاقليم الى باريس، ولهذه الزيارة التاريخية دلالات عديدة وكثيرة، نعرّج عليها خلال سياق المقالة.

كان الرئيس بارزاني قد زار باريس العام 2017 بُعيد الاستفتاء حيث كانت الأجواء السياسية إقليمياً ودولياً محتقنة كثيراً حيال كوردستان، وكانت المطارات مغلقة، فاضطر الرئيس نيجيرفان بارزاني ومعه السيد قوباد طالباني نائب رئيس الحكومة، وكان آنذاك رئيس للحكومة للانتقال براً الى تركيا، ومن هناك جواً الى باريس، كانت الزيارة بناء على دعوة من الرئيس الفرنسي الشاب عمانوئيل ماكرون، كان ذلك شجاعة وموقفاً مشرّفاً للرئيس ومحاولة فرنسا إيجاد حل للأزمة التي احتدمت بين بغداد واربيل بعد مفاعيل الاستفتاء الكوردستاني، وبالفعل استطاعت باريس أن تلعب دوراً وقتذاك في تقارب وجهات النظر بين العاصمتين المتخاصمتين، واستثمرت باريس خصوصية علاقاتها المتميزة مع رئيس الوزراء العراقي آنذاك حيدر العبادي.
الرئيسان الفرنسي والكوردستاني سيناقشان في قصر الاليزيه هذا اليوم الكثير من الملفات الهامة والعلاقات الثنائية بين فرنسا وإقليم كوردستان والعراق، وخاصة فيما يتعلق بالظروف الاستثنائية التي يمرُّ بها الشرق الأوسط وكوردستان وضروة تطوير هذه العلاقة والتي ستراعى فيها مصالح البلدين ومحاربة الإرهاب، ويتحقق في المنطقة الاستقرار والهدوء.

لقد قدّم مواطنو كوردستان دماء الآلاف من الشباب الكردي في ملحمة كسر شوكة تنظيم داعش الإرهابي في كوردستان، وكما قال الرئيس مسعود بارزاني في حوار صحافي سابق "إننا نقاتل داعش عوضاً عن العالم" والآن جاء الدور ليُكافأ الكرد عن جميل صنيعهم، ويتوجّه الرأي العام الأوربي بشكل أفضل نحو كوردستان، فرنسا مرشّحة للقيام بدور إيجابي في تفعيل ملف تطوير كوردستان والمساهمة الجديّة في إنمائها، ومن خلال شركائها الأوروبيين وكذلك توجيه شركات الاستثمار الفرنسية للتوجُّه نحو كوردستان باعتبار أن الوضع الأمني يتعافى حالياً بعد إبعاد شبح داعش عن كوردستان والعراق، ومعروف أن المناخ الاستثماري في كوردستان إيجابي، ومتساهل، وقوانينه مشجّعة، وليست معقّدة، حيث يمكن الاستثمار والعمل في الكثير من القطاعات كالنفط والبناء وإنشاء الجسور وتحسين شبكة الطرق البرية، وربط كوردستان مع عواصم العالم بالسكك الحديدية وتأسيس مصانع وشركات تعود بالفائدة المرجوة لكل الأطراف، إضافة إلى توسيع العلاقات بين اربيل وباريس من خلال المنح الدراسية للدراسات العليا، وقبول إيفاد الطلبة الكرد في الجامعات الفرنسية، والتبادل الثقافي والفكري، وإحياء مهرجانات ثقافية، وتنشيط السياحة المتبادلة بين كوردستان وفرنسا.

كما تستطيع الحكومة الفرنسية تقديم الدعم اللوجستي وتدريب قوات البيشمركة، وقبول بعثات عسكرية للتدريب في فرنسا، خاصة أن لها أنشطة التدريب العسكري في العراق بشكل عام، وكذلك معالجة الجرحى من البيشمركة.

كما أنّه من المتوقّع أن تعكس هذه الزيارة إيجابياً على ملف الكورد في كوردستان سوريا، وأن تساهم فرنسا جدياً بتفعيل مبادرتها والتي تدعو الى تقارب وجهات النظر بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي في سوريا، وسبل إيجاد تفاهم وشراكة بين الطرفين، وتذليل الكثير من المصاعب التي تعطّل هذه المبادرة وممارسة ضغوطات حقيقية على PYD والذي يعمل على إفراغ هذه المبادرة من محتواها عبر الالتفاف عليها، ووضع العصي في العجلات، حيث أن هذا الحزب لا يقبل بالتفاوض والتشارك إلا عبر مؤسساته وخدمة مصالحه.

بات من الضرورة بمكان تنفيذ المبادرة الفرنسية بما ينسجم مع مصلحة الشعب الكوردي وقضيته المصيرية، وحتى تنجح هذه المبادرة أو أية مبادرات أخرى ينبغي التأكيد على تحوّل ال PYD من حزب يأخذ أوامره من قنديل، إلى حزب كردي سوري من خلال فك ارتباطه العضوي والتنظيمي مع حزب العمال الكردستاني، والذي يعتبر الخطوة الاولى لأي تفاهم كردي كردي.