عمر كوجري: علم كوردستان وبادية السماوة والضابط البعثي

عمر كوجري: علم كوردستان وبادية السماوة والضابط البعثي


تنشط فرق الكشف عن المقابر الجماعية التي تكتشف تباعاً بحق الكورد المؤنفلين جراء جريمة الأنفال من عام 1987 الى 1988 حين شنت قوات نظام صدام البعثية المتشرّبة من الفكر القومجي الضيّق الذي لا يرى غير "صفوة العنصر المحدد" لائقاً وجديراً بالحياة حملات عسكرية استخدمت فيها الأسلحة الكيمياوية، وكذلك تم أسر عشرات الآلاف من العوائل الكوردية، ووصل الرقم المرعب إلى حوالي مئة واثنين وثمانين ألف كوردي مؤنفل بموجب سورة الأنفال حيث أفتى الأئمة البعثيون المجرمون بأن هدر الدم الكوردي حلال باعتبارهم كفاراً، ويعصون أوامر الحاكم .. ولم يكن الحاكم المستبد غير صدام حسين المجرم.

نُفّذت جريمة الأنفال على عدة مراحل، كان قائدها صدام حسين، وأدارها بقلب أسود المجرم علي حسن المجيد ابن عم صدام، والذي اعترف أمام المحكمة حين قُبض عليه بعد سقوط بغداد بأنه أصدر قرار ترحيل أهالي القرى الكوردية الواقعة على الشريط الحدودي مع إيران وتركيا وقرى أخرى، وأضاف أنه أمر القوات بإعدام كل مَن يتجاهل أوامر الحكومة بمغادرة القرى خلال عملية عسكرية ضد الكورد عام 1988.

الحديث يطول في هذا المقام، فمنذ عدة أيام تم اكتشاف مقبرة جديدة في بادية السماوة لرفات أكثر من سبعين شهيداً معظمهم من الأطفال والنساء الكورد، ويومياً يتم زيارة هذه الصحراء من قبل فرق فنية مختصة.

في هذا المقام، أعرّج على لوحتين لضابطين عراقيين، فقبل أيام أجرت فضائية رووداو الكوردية لقاء مقتضباً مع ضابط عراقي يبكي، ويمسح دموعه، ويقول: ما ذنب هؤلاء الضحايا دُفنوا تحت التراب وهم أطفال ونساء أبرياء لا ذنب لهم، لاقى هذا الفيديو انطباعاً إيجابياً وهو أنه ليس كل عربي صدّامي أو بعثي، وله يدٌ في إحلال دماء الكورد، وأن الإنسانية فوق كل اعتبار.

غير أن الكورد لم ينعموا بالفيديو ذاك، وبدموع الندم من عيني الضابط العربي النبيل، حيث صُدموا من جديد يوم 30-7-2019 من تصرّف ضابط عراقي صغير برتبة ملازم أول حاول منع ذوي الشهداء الكورد من التوشُّح بعلم كوردستان.

والمؤلم أن التصرف الأرعن ذاك كان على مرأى عدد من مستشاري رئيس الجمهورية!! وهذا ما حدا بنائب كوردي بالبرلمان العراقي للاحتجاج على سلوك الضابط في جلسة البرلمان، وطلب محاكمته.

الشعب الكوردي كان يأمل بإيجاد موقف رسمي من مجلس النواب العراقي والحكومة بشأن تصرُّف هذا الضابط الذي حاول زرع الفتنة حتى أثناء فتح مقبرة جماعية لكورد أعدمهم النظام السابق، بيد أنهم لم يجدوا أي مبادرة حكومية تؤكد أن علم كوردستان دستوري، وتمنع تكرار مثل هذا التصرف.

في قراءة للحدث ومن خلال عمر الضابط أنه ربما لم يكن قد ولد إبان مجزرة الأنفال الرهيبة، وهو يحمل كل هذا الحقد والغي والضغينة تجاه الكورد، وعلم كوردستان، ما يعني أن العقلية البعثية العفلقية هي "المنتصرة" وهي المسلبة والمسيطرة على عقول الكثير من العراقيين في عراق ما بعد صدام حسين، وأن العقلية العنصرية الشوفينية لم تنته بعد رغم مرور حوالي خمس عشرة سنة من دخول أول دبابة أمريكية في ساحة عامة ببغداد، وأسقطت صنم فاشي العوجة.

رغم أن الكورد قد تكابروا على جراحهم، وتناسوها، وعادوا واحتضنوا أهل ذلك الضابط سواء في الجنوب أو الوسط أو ساحة المعارك والدماء في المثلث السني حين عاث تنظيم داعش الإرهابي، وقبله تنظيم القاعدة القتل، وأشاع الموت في كل شارع ومدينة وقصبة، فهاجر عشرات الالاف من أهل الضابط " الغر" إلى كوردستان، وكانت مدن وقرى كوردستان لهم ملاذاً آمناً..

بحسب الدستور العراقي ذلك الشاب الذي توشح بالعلم الكوردستاني لم يرتكب جريمة، وعلم كوردستان يرفرف في كل مكان بكوردستان، وفي العراق إلا أنه يبدو أن العقل المريض لا يتغير من مجرد مواد قانونية جامدة موضوعة بين دفتي كتاب اسمه دستور البلاد.

هل العراق بهذه الحرية والاستقلالية الكبرى حتى تألم الضابط العراقي لمجرد رؤية العلم الكوردستاني؟ علم العراق الذي يكاد ينحصر في المنطقة الخضراء، أما خارجها، ففي داخل كل شارع ببغداد هناك علم لكل جماعة ولكل حزب، ولاؤه لعلم ايران أكثر من ولائه لعلم العراق.
مابال علم كوردستان، والأعداء يتسابقون لكرهه؟ ماذا فعل بهم هذا العلم الذي سيرتفع قريباً على كل ساريات وفوق جبال كوردستان إكراماً لدماء الشهداء الذين تستحق دماؤهم أن تعلن دولة كوردستان لأجلها.

مابال علم كوردستان يدخل الرعب في قلوب "الصغار" سواء في شوارع "قامشلو" و"كركي لكي" أو في شارع ضيق في "طرابزون التركية أو حتى في صحراء "السماوة"؟