عمر كوجري: غربي كوردستان.. البلد العجوز!!

عمر كوجري: غربي كوردستان.. البلد العجوز!!

نزح الشباب الكوردي من كوردستان سوريا بسبب ظروف الوضع الاقتصادي المتردي وسوء المواسم الزراعية، وندرة المعامل والمصانع إلى الداخل السوري في دمشق والمحافظات الكبيرة بقصد العمل في ثمانينيات القرن الماضي بوتيرة واضحة، وقلة قليلة منهم كانوا يحزمون حقائبهم للاستقرار في المهاجر الأوربية بسبب صعوبة الوصول وقتذاك الى بلدان أوروبا، وصعوبة تقبل الحكومات الأوربية للاجئين خاصة ممن لم يكونوا من أصحاب الشهادات العالية وخاصة في العلوم الطبية والهندسات.

مع القيامة السورية منذ بداية العام 2011 شهدت المناطق الكوردية حالة من عدم الاستقرار، شأنها شأن جميع المناطق الساخنة بلهيب الحرب السورية، وبدأ حزب الاتحاد الديمقراطي منذ العام 2012 باستعراضات عسكرية بقصد ترهيب السكان و"تأديبهم" في مناطق تواجده وحكمه، وعندما قام النظام السوري بالانسحاب من بعض المناطق الكوردية، وسلمها لحزب الاتحاد الديمقراطي، بدأ الحزب بعسكرة الشعب الكوردي، وأشاع مقولة" من ليس معي فهو عدوّي" وعلى هذا بدأ بالتنكيل بكل مخالف لسياساته، التنكيل الذي بدأ بالمضايقة الأمنية وانتهى إلى الاختطاف والسجن لمدد زمنية طويلة، والنفي خارج الحدود مع التهديد بالقتل والتصفية حين تسوّل النفس بالعودة، وكذا القتل والتصفية الجسدية، وتسليم بعض النشطاء الشباب والمطلوبين للجهات الأمنية التابعة للنظام السوري والتي تنتعش للآن ضمن ما يسمى بالمربع الأمني.

وقتها، بدأ الشباب الكوردي يفكر جدياً بالخروج من كوردستان سوريا، فنزح الكثير منهم إلى المهاجر القريبة مثل كوردستان العراق وتركيا، وهؤلاء إمكانية عودتهم لوطنهم من جديد ممكنة، حينما تستقر الأوضاع العامة في سوريا، فهم على تماس مع أهلهم وأرضهم وذكريات ومرابع طفولتهم، لكن العدد الأكبر باع بيته وأرضه، واستدان النقود ليركب البحار، وتغرقه أمواج البحر الهائج، وتنهش أحشاءه أسماك القرش، وضاع العديد من هؤلاء الشباب في غياهب الغابات في بلغاريا وهنغاريا، وكان يأمل بالوصول للجنة الأوربية، والعالم الأفضل البعيد عن الترهيب.

بهذا النزوج الكبير، حدث النضوب الشديد والغروب الأكبر لأجمل وأنشط طاقة بشرية يحتاجها الكورد في المستقبل، حدث شرخ كبير في تركيبة وطاقة المجتمع الكوردي، صار من شبه المستحيل عودة هؤلاء الشباب إلى موطنهم مجدداً بسبب عدم توفر شروط البقاء في دائرة الوطن بأي شكل ضمن الشروط القاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي، وذراعه الضاربة"الأسايش" وكذلك انغماسهم في الحياة الأوربية الجديدة، وربما تفضيل الموطن الجديد على موطن الآباء والأجداد، واكتساب طريقة حياة جديدة، ورفاهية متوفرة على مختلف الصعد مقارنة مع البلد الأصلي..

لقد حدث فراغ كبير وهائل في المجتمع الكوردي بـفضل القوانين والقرارات الكراكوزية التي أصدرها الحزب عبر بوابات "الادارة الذاتية" أو "الأمة الديمقراطية" أو "الكانتون" ونجح هذا الحزب في تغيير معالم البنية الديمغرافية للسكان الكورد في غربي كوردستان ما عجزت عنه سياسات ومشاريع النظام البعثي السوري خلال عقود لصالح المكونات الأخرى، وساهمت هذه القرارات في إقلال التواجد الكوردي في موطنهم، وفي حدوث حالة من الاغتراب للمتبقين الصامدين من السكان، وصار المكان الكوردي يكاد لا ينطق بتلك الكوردية الأنيقة والعذبة، ونسمع كل يوم إن بلداً كوردياً في كل شيء كقامشلو" القامشلي" صار غريب اليد والوجه واللسان كوردياً.

سياسات الاتحاد الديمقراطي حوّلت كوردستان سوريا إلى بلد عجوز، بائس، حزين حيث لا تلمح فيها غير العجائز والشيوخ، وهذا أخطر وأصعب مما يمكن أن يواجهه الشعب الكوردي في غربي كوردستان، صارت غربي كوردستان متشبهة بالقارة الأوربية العجوز، لكن هذه القارة بدأت تنتعش من جديد بضخ دماء المهاجرين العالميين، ومنهم الشباب الكوردي الذين في أغلبيتهم الساحقة كما لمحنا سيبقون هناك، ويندمجون، ويعلنون ولاءهم الكلي لصرامة الحياة الأوربية
حقيقةً، وبسبب تردّي الظروف وعلى كل الصعد، لو رأى هؤلاء الصامدون حتى الآن أيضاً بصيصَ أمل في الخروج الآمن، والمقدرة على تجاوز الحدود والسدود وتحمل الصعاب والشدائد والأسلاك الشائكة لما ظل الكثير منهم داخل أسوار الوطن.