شريف علي: المنطقة الآمنة وأبعاد الخلاف بشأنها

شريف علي:  المنطقة الآمنة وأبعاد الخلاف بشأنها

تزايدت الاحاديث والاقاويل خلال الايام القليلة الماضية بخصوص المنطقة الكوردية بين تركيا وسوريا والممتدة بين نهري دجلة والفرات، وتم اطلاق تسميات عدة عليها تعكس وجهات النظر المختلفة تجاه المشروع المرسوم له. فكان الممر الآمن والمنطقة الآمنة والحزام الامني وغيرها من التسميات التي تنطوي كل منها على اهداف معينة، وعلى ما يجب ان تكون عليه هذه المنطقة الا انه طالما ارتبط أمن هذه المنطقة واستقرارها بالوجود الامريكي منذ اندلاع الثورة السورية، وبروز دور التنظيمات الجهادية فيها، ومن ثم الزحف الوحشي لمسلحي تنظيم داعش الإرهابي، كان التوجه الامريكي لاختيار الاداة التنفيذية لها على الارض بحيث يمكن وضعها في خانة مناهضة للإسلام السياسي ودون ان يكون لها اي مشروع سياسي. ووجدت ضالتها في حزب الاتحاد الديمقراطي ذراع حزب العمال في سوريا الذي تم اعداده في دمشق والمؤهل للعب دور مزدوج.

الدولة التركية من جهتها وبصمتها واتصالاتها مع الPYD في بادئ الامر ارادت نمو مبرر لها لاعادة نفوذها المناطق الكوردستانية في سوريا، معتبرة ذلك مصدر خطر على ما تسميه امنها القومي، وهو ما عكس خلافا امريكياً تركياً يضاف الى سلسلة الخلافات التي بدت تطفو على السطح بين الطرفين، وكان ابرزها صفقة شراء المنظومة الدفاعية الروسية S400 غير ان تتالي اللقاءات بين الطرفين بشأن المنطقة المذكورة والتوصل الى تشكيل غرفة عمليات مشتركة من المقرر ان تبدأ عملها في شهر ايلول المقبل والزيارة المرتقبة لوفد عسكري ودبلوماسي امريكي للمنطقة، يعكس حقيقة الخلاف بين الطرفين والتي لا تتجاوز كونها ترتيبات امريكية وباطلاع روسي لتمرير المشروع الامريكي في المنطقة / نسخة القرن ال21/ لاتفاقية سايكس بيكو التي استبعدا منها مع اصحاب الارض الحقيقيين في ظل العظمة الفرنسية البريطانية انذاك وانتصارهما في الحرب العالمية الاولى. رغم ما سبق تلك الاتفاقية من تفاهمات دولية بشان المنطقة، تحفظ للإدارة الامريكية بمنطقة نفوذ كما يضمن الحقوق القومية للشعب الكوردي كمكون اساسي تاريخيا للمنطقة.

الآن ومع انتهاء اتفاقية سايكس بيكو وانهيار الحدود التي رسمتها عمليا في ظل الهيمنة الامريكية على السياسة العالمية بات السعي الامريكي للعب الدور الفاعل في المنطقة مستخدمة كافة الاوراق المتاحة ومستغلة كل ما امكن اعداده بالشكل الذي يخدم مشروعها الضامن لبسط وترسيخ نفوذها في المنطقة، حتى ان تطلب ذلك التنسيق مع اعداء الامس والتناقض مع حلفاء الامس، وهذا ما تجسد اخيرا في بلورة المحور الامريكي الروسي الاسرائيلي التركي على الاقل فيما يتعلق بالمشهد السوري ومستقبل الدولة السورية.والتركيز على ابعاد النفوذ الايراني عن المنطقة، المنطقة وبهذه الاهمية استراتيجية اصبحت ساحة صراع حقيقية، من جديد بين ورثة سايكس بيكو والمحور الامريكي الروسي حتى وان خفي هذا الصراع تحت مظلة الصراعات المحلية كخطوات اجرائية لابد منها لفتح الباب على مصراعيه امام تنفيذ المرحلة المرحلة اللاحقة.

من هذا المنظور يمكن رؤية الدور التركي المتصاعد وتجاوزاته الظاهرية للخطوط الامريكية الحمراء منذ انتقال ميدان الصراع في سوريا الى مناطق الشمال، ونيل الموافقة الروسية لاحتلال عفرين التي كانت جزءا من صفقة الصواريخ اس400، وسعيه الدؤوب لمد اذرعه باتجاه بقية المناطق الكوردستانية وصولا الى نهر دجلة. بذريعة ابعاد خطر حزب العمال وتوابعها المسلحة، خاصة اذا علمنا مدى عمق العلاقة التي تربط تركيا بأمريكا واسرائيل، ومؤخرا روسيا. ما يعني بوضوح ان الادارة الامريكية لن تدع تركيا محرومة من دور ولو محدود في مشروع المنطقة الامنة حتى وان يمنعها من القيام بأية عملية عسكرية سواء بمفردها او بمشاركة الميليشيات الاسلامية العربية التي تمولها على غرار ما حصل في عفرين لأمرين مهمين بالنسبة للادارة الامريكية: الاول يتعلق بقطع الطريق عن ايران والثاني ببلدان الخليج وبقائها تحت تهديد الخطر التركي. وهذا ما يتطلب الحذر الكوردي الشديد منه، رغم التهويل الامريكي بالاستمرار في حماية الكورد، كون الهدف التركي من لعب دور في المنطقة ليس ميليشيات حزب العمال بقدر ما هو التغيير الديموغرافي للمنطقة سواء بتوطين اللاجئين السوريين المتواجدين لديها، في المنطقة الامنة او حتى استقدام العرب والتركمان من محافظتي حلب وإدلب واللاجئين فيها الى المنطقة. وهنا قد لا يستبعد المشاركة السورية على ضوء المستجدات التي تؤكد حتمية بناء المنطقة الامنة والقبول السوري بها. 9