أحمد الهدو: الثورة والإستمرار

أحمد الهدو: الثورة والإستمرار



حينما نقارن بين دعاة الحرية والعدالة والاستقلال لكوردستان وشعبها وبين من يحاول ارتداء الثوب الوطني نفسه دون أهداف نفسها يتبين لنا حجم الخلاف الموجود داخل الحركة الكوردية والأسباب الحقيقية التي وراء التنافر القائم بين الأطراف والتيارات السياسية العاملة على الساحة الكوردستانية تاريخيا وصولا الحاضر.

بالعودة قليلا إلى التاريخ تجد ان النزعة القومية في المجتمع الكوردي تكاد تكون معدومة باستثناء القليل خصوصا بعد انتشار الإسلام في عموم الجغرافيا الكوردية، إذ ساد مفهوم يدعو إلى إعلاء شأن الدين على النزعة القومية والدعوة إلى ترسيخ مبدأ الاخوه في الدين واتباع أسلوب يهدف إلى صهر كافة القوميات تحت المسمى الديني الواسع وقبول القوميات الغير عربية بهذا المبدأ رغم الكم الهائل من المظالم التي اقترفت بحق تلك القوميات وفهمهم العميق لهذا المبدأ لتحاشي الاصتدام وما يترتب علية من عقوبة تستوجب الموت سيما أن الارتداد من أكبر الكبائر في الشريعة الإسلامية.

لكن الأمور بدأت تتغير رويدا رويدا مع ظهور أساليب أشكال جديدة في الإدارة والحكم وبزوغ شمس الديمقراطية في أوروبا وانتصارها على المعسكر الشرقي ومن ضمنها الإمبراطورية العثمانية ودخول قوات التحالف في تركت الرجل المريض وتلاشي السلوك المتبع في الإدارة إلى انتعاش الشعور القومي من جديد لدى الشعوب الغير عربية وميلها الشديد إلى الانسلاخ والخروج من بوتقة حكم الخلافة بعد تجربة مريرة دامت لقرون.

فكان للشعب الكوردي حصة الأسد من مشكلة القوميات الغير عربية ذات تعداد سكاني كبير ويعيش على أرضه التاريخية ذو خصوصية متميزة وقسمت بلاده بين اربع دول مما زاد من صعوبة الاتصال وإيجاد شكل من أشكال الوحدة والعمل المشترك، فتباينت الرؤى وتفاوت سقف الأهداف بين الجزء والآخر، ناهيك عن أطراف أخرى امتهنت سياسة التضليل والتحريف ومارست العمالة ووقفت بالضد من اي مشروع قومي كوردي مقابل منافع مادية أو إمتيازات آنية مما أثر سلبا على تطلعات الشعب الكوردي وبطئ بشكل مباشر نتائج النضال.

في المقابل كانت الثورة الحقيقية قائمة على قدم وساق في الجزء الكوردستاني الملحق بالعراق بقيادة الخالد مصطفى البارزاني حاملا على عاتقه نضالا مزدوجا في اتجاهين مختلفين فمن مجابهة الجيش النظامي العراقي إلى مجابهة الجماعات الكوردية الموالية للنظام العراقي لتزيد من حجم الأعباء وتعيق مسار الثورة والنضال وتمثل أحد أهم آفات التي حالت دون تحقيق النصر على المدى القصير.

لكن إحدى أهم ميزات هذه الثورة الإستمرار والديمومة والنهج القويم الذي تأسس عليه رافعا مصلحة الشعب الكوردي وحقوقة القومية المشروعة فوق كل اعتبار دون المساس بثوابت الثورة التي انطلقت من أجلها او المساومة عليها فحظيت بثقة الجماهير وذاع صيتها في أرجاء الجغرافيا الكوردستانية دون منازع.

فكانت القادة البارزانيون من أعظم القيادات وثورتهم من أكبر الثورات في التاريخ الكوردي المعاصر وما زالت وهي مستمرة حتى تحقيق آماني وأحلام الشعب الكوردي والارتقاء به إلى مصاف أقرانهم من شعوب المنطقة وإعادة الاعتبار لشخصياتة التي تعرضت لمحاولات الصهر والتقويض وبعثت فيها الشعور القومي من جديد.

ان حالة التلاحم والترابط بين القيادة والجماهير والبيشمركة المناضلين أوجدت حالة استثنائية لصالح الثورة تمثلت في الصدق والإيمان العميق بالأهداف والسعي إلى تحقيقها وعدم الرضوخ للضغوط والتهديدات ولم تفلح حملات الإبادة الجماعية والتهجير واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا من إيقاف النضال وفرملة الثورة.

فالشعب أصبح يدرك تماما حجم ما يستحق وأهمية الحرية والعدالة والاستقلال في حياة الشعوب فكان الإجماع الشعبي على نهج البارزاني الخالد والسير عليه، الذي ولّد قوة شعبية جارفة استطاعت شق الطريق نحو ما يصبوا اليه متغلبا على كل ما يعترض مساره الصحيح، خصوصا بعدما انكشف الغطاء وأضحت الحقيقة مكشوفة للعيان الذي أبصر الهوة الكبيرة بين الأهداف المعلنة والممارسات الحقيقية على ارض الواقع لبعض الأحزاب والجماعات التي لا تنتمي إلى الكوردايتي في مضمونها بل تتزين بثوبها عارضة القضية وحقوق الشعب الكوردي للبيع في مزادات الأعداء.