عمر كوجري: لماذا «شيطنة» المجلس الوطني الكوردي في سوريا؟
المجلس الوطني الكوردي مظلة سياسية مكونة من طيف واسع من الحركة السياسية الكوردية في سوريا، تعرّض منذ تأسيسه لمضايقات من منتسبي ومؤيدي حزب الاتحاد الديمقراطي، وتصاعدت هذه المضايقات الى الهجوم على بعض هذه التظاهرات وإطلاق شعارات استفزازية تخوينية بحق مؤيدي المجلس الكردي، ونعت الرموز الكوردستانية بالخيانة، وتطورت الى حد اعتقال كوادر المجلس من قبل سلطة ال ب ي د وزجهم في السجون والمعتقلات، ونفيهم، وتصفيه بعضهم.
العشرات من كوادر المجلس اضطروا لمغادرة الوطن الى كوردستان او الى اوروبا جراء هذه الممارسات، مما ساهم في إضعاف المجلس بعد إغلاق مكاتبه، وإحراقها ومنع العمل السياسي بحرية.
كأي إطار سياسي عمل المجلس، وربما نشط هنا، وضعف هناك، وبالمجمل اتصف أداؤه بالسلبية، وقلة الديناميكية، كان هذا وصف جماهير كثيرة من مؤيديه، وكانت تصريحات قياداته دائما تصب في أن حزب الاتحاد الديمقراطي منع عنه التحرك، حتى انكفأت نشاطاته داخل الوطن بشكل واضح.
المجلس الذي يحظى باهتمام خاص من الرئيس مسعود بارزاني، والذي خاض عدة جولات ووقع اتفاقيات مع الاتحاد الديمقراطي، لكنها جميعا تعرضت للفشل أو التفشيل من قبل هذا الحزب، حيث وضع نصب عينه معاداة المجلس ونعته بشتى النعوت المسيئة منها العمالة لتركيا و لأردوغان وغيرها من التهم الجاهزة، تصاعدت حدة محاربة المجلس خصوصاً بعد كارثة الهجوم على عفرين من قبل الفصائل المسلحة العسكرية السورية والمدعومة من تركيا التي شاركت في تقدم هؤلاء الذين امتهنوا النهب والسلب وحرق المزروعات والقتل بمزاعم واهية بداية العام 2018.
معلوم للمتابع أن عفرين سلمت لتركيا وهذه الفصائل بتواطؤ روسي حاول إقناع حزب الاتحاد الديمقراطي بضرورة الانسحاب من عفرين قبل الهجوم عليها بعدة أشهر، ولكن دون جدوى، ولم نسمع من مقاومة العصر وتحويل عفرين الى مقبرة للغزاة الاتراك، و" سنحول استنبول الى جحيم بحسب عنتريات فارغة من قنيدل، لم نسمع، ونرَ غير أن تركيا دخلت وسط عفرين رغم مغازلة الاتحاد الديمقراطي للنظام، والطلب منه لدخول عفرين والدفاع عنها باعتبارها" أرضا سورية" الآن، حيث دخول الاتفاقية الامريكية قيد التنفيذ، وردم الخنادق التي أعدت " لقبر العزاة الترك" وتسوية الارض أمام العربات التي ستسير في المنطقة، أمام هذا التطور:
لماذا هذا الهجوم.. هذه الشيطنة المتعمّدة للمجلس، وكأنه هو من باع عفرين، والباعة معروفون؟!
قبل أيام نشط المجلس الوطني الكوردي في سوريا على مستوى مكتب العلاقات الخارجية، وخاصة بعد اشتداد الحديث عن المنطقة الآمنة أو الأمنية بين واشنطن وأنقرة، فحط الوفد رحاله في موسكو بداية للقاء الدبلوماسية الروسية، وبعدها سافر الى واشنطن للقاء المسؤولين الأمريكان، كما حصل لقاء مكتب رئاسة المجلس مع وزارة الخارجية الالمانية، ويبدو أن النشاط الدبلوماسي وبرنامج العمل حافل حالياً بهذه اللقاءات، مما يفسر بحق أن المجلس الكردي يملك رصيداً قوياً على المستوى السياسي والدبلوماسي، واستطاع أن ينشئ شبكة علاقات قوية مع المجتمع الدولي لشرح القضية الكردية في كوردستان سوريا، وإيصال معاناة الكرد الى عواصم القرار الدولية.
واضح أن هذه الجولة اعادت المجلس الى الساحة الدولية بقوة واثبت بانه لا استقرار او اي توافق في كوردستان سوريا بوجه عام، وفي شرقي الفرات بشكل خاص دون المجلس.
ولأن المجلس حظي بهذا القدر من التقدير، فقد خرج إعلام منظومة العمال الكوردستاني عبر وسائل إعلامها الضخمة، ووسائل التواصل الاجتماعي بطريقة ممنهجة ومدروسة بالتهجم على المجلس الكردي وتكرار الاسطوانة السابقة بالعمالة لتركيا والارودغانية، وغيرها من النعوت التي لا تخدم الورقة الكردية في كوردستان سوريا بأي شكل.
كل هذا للتشويش على أداء المجلس وتقزيم برنامج عمله في عيون مؤيدي هذه المنظومة، ويقيناً لو توفرت نصف هذه الفرص لهذه المنظومة لما توانت حتى بالدخول الى جسم الائتلاف السوري من أجل جعله منصة للانتشار الدبلوماسي والتحرك الدولي.
ففي كل لقاء هناك مواضيع محددة يتم طرحها بوضوح وهدوء مثل مناقشة مسألة إنشاء "المنطقة الآمنة" في سوريا، ومستقبل قوات "بيشمركة روج" ودورها في المرحلة القادمة، وتناول العملية السياسية في سوريا بشكل عام، وكذلك مسألة تشكيل اللجنة الدستورية، حيث تم مناقشة ذلك مع الروس وبعدها الامريكان، والمنطقة الآمنة مثل عمقها، والطرف الذي سيديرها سياسياً وعسكرياً، وماذا سيكون دور قوات (بيشمركة روج) في تلك المنطقة أو في مناطق أخرى" بحسب تصريحات للسيد كاميران حاجو مسؤول مكتب العلاقات الخارجية للمجلس الوطني الكوردي .
هذه النقاط الحيوية التي أتينا على ذكرها من غير سبب معلوم تغيظ منظومة العمال الكوردستاني ومؤازريها بدلاً من أن تشجع على مبادرات المجلس ونشاطاته الدبلوماسية الدولية والتي من المؤمل أن يكون للمجلس دور في رسم معالم المنطقة الآمنة بعد أن تتوضح في قادمات الأيام.