الدفع مقابل الحماية

الدفع مقابل الحماية


الدفع مقابل الحماية
علي مسلم
هذه ليست مجرد جملة اطلقها الرئيس الامريكي دونالد ترامب في معرض تعليقه على الضربة التي استهدفت اهم منابع النفط في مملكة ال سعود منذ ايام، بل ربما تعجز مئات المجلدات في تلخيص ما جاء في مضمونها من معان ودلالات، فهي تلخص بداية احدى أهم بديهيات عالم السياسة، بل ربما تتعدى ذلك لتلامس اخطر مفاصل الاقتصاد السياسي الذي يقود عالم اليوم، هذا العالم الذي لم يعد فيه من مكان للضعفاء، ولا مكان فيه لمن لا يعمل بحزم في تأمين محيطه اللوجستي بالاعتماد على طاقاته الذاتية، وبالتالي توفير سبل الامان لوطنه وشعبه وموارده الاقتصادية، كما انها تشير بكل وضوح الى أن الموارد المحلية في أي مكان لم تعد كذلك في ظل تداخل المصالح وسطوة العولمة .

هي ليست مجرد جملة اطلقها ترامب في سياق رومانسية الخطاب السياسي، او الخروج عن طبائع المألوف في برتوكولات الدبلوماسية المعتادة، بل انه اراد ان يسمع الجميع في ان تكاليف الحماية كانت باهظة، وستكون باهظة اكثر في ظل خطاب المكاشفة التي أطلقها عن دراية، ولا ضير في احراج الحليف قليلاً طالما ان هذا الحليف المدلل ليس بمقدوره مغادرة حياته المخملية وسط غابات السيقان في القصور والمنتجعات، وبالتالي عليه ان يسدد ما يترتب على ذلك من فواتير حتى اذا كانت هذه الفواتير باهظة، فهو الذي قال موجها كلامه للملك سلمان ذات يوم " لو اسحب عنكم الحماية سوف لن تصمد مملكتك اكثر من اسبوعين " اجل هكذا اراد يقول دونالد ترامب، الا أن السؤال الذي يفرض نفسه ترى لماذا باتت المملكة العربية السعودية عاجزة حتى عن حماية منشآتها الحيوية، وهي التي انفقت على جيوشها ما يفوق الخمسين مليار دولار حيث بلغت الميزانية العسكرية السعودية نحو 57 مليار دولار كثالث اكبر ميزانية عسكرية على مستوى العالم وفق ما جاء في التصنيف السنوي ل " غلوبال فاير باور " الموقع المتخصص في ترتيب الجيوش .

معادلة الدفع مقابل الحماية هي في الاساس كانت موجودة على مدى عمر الحروب والاحلاف والتكتلات ، وهي التي كانت وما زالت تتحكم بمسألة ثبات السلم العالمي على نحو ما، واستمرار بقاء الضعفاء على قيد الحياة ضمن هيكليات اشبه بهيكليات قبلية، لكن ترامب اراد ان يزيل الستار عن بعض عيوب الدبلوماسية الكلاسيكية، ووضع حد للمجاملة بين الكيانات سيما تلك الكيانات التي تحمل فيرس نقص المناعة المكتسبة