في أوجه الشبه والاختلاف بين النظام والمعارضة في سوريا

في أوجه الشبه والاختلاف بين النظام والمعارضة في سوريا

في أوجه الشبه والاختلاف بين النظام والمعارضة في سوريا
شاهين أحمد
سنحاول في هذه المساهمة أن نسلط قدر الإمكان وبما تسمح بها مناخات الحالة السورية الضوء على بعض جوانب أزمة المعارضة السورية ، وأوجه الشبه والاختلاف بينها وبين النظام الحاكم ، وذلك سواءً لجهة تركيبة كلا الطرفين ، والانتماء الطائفي لهما ، والموقف من التواجد الأجنبي في سوريا ، ورؤية الطرفين من مستقبل الدولة السورية وشكلها ونظام الحكم فيها، وكذلك مدى التقارب في الرؤى بينهما ومدى تأثير هذه المشتركات المؤلمة بينهما على مسارات التسوية والحل السياسي وآمال الشعب السوري المكلوم ومستقبله. وبالتالي هذه المساهمة قد تشكل بهذا المعنى محاولة لوضع استفهامات كثيرة ، وتفتح أبواب النقاش والتساؤل أكثر من تقديمها للإجابات .هل حقاً أن النظام والمعارضة تفرقهما الطائفية ، وتجمعهما الشمولية والشوفينية والدكتاتورية ؟.

وبداية وقبل كل شيء ، وكي لايقع القارىء الكريم في لغط أو التباس ، المعارضة التي نقصدها في هذه المقارنة ، هي تلك المعارضة التي تتكون في غالبيتها من الكيانات السياسية التي تنتمي للمكون العربي السني الكريم . عندما نقوم بإجراء مقارنة سريعة بين منظومات المعارضة السورية من النواحي الفكرية والسياسية ورؤيتها الاقتصادية ومواقفها من وجود وحقوق المكونات السورية الأخرى القومية منها أو الدينية والمذهبية ، وبين ذات الجوانب لنظام البعث الحاكم في سوريا، يمكننا أن نلاحظ بكل وضوح المساحات الشاسعة من المشتركات وكذلك العديد من أوجه الشبه ، وأيضاً هناك مساحات من الاختلاف بدون أدنى شك . بداية من الأهمية بمكان الإشارة والإقرار بأن كلا الطرفين – المعارضة العربية السنية والنظام – يجمعهما مشتركات أكثر من مايفرقهما بعض الاختلافات . كلا الطرفان يحملان نفس المرض الطائفي وإن بلونية مختلفة ، وبينما يختلف الطرفان حول مستقبل الطائفة التي يجب أن تحكم سوريا مستقبلاً ، وكذلك في تعريف الإرهاب وتحديد ألوانه ومفرداته وأدواته وطرق مكافحته . نلاحظ أنهما يتفقان في العزف على نفس الإسطوانة المشروخة ، وترديدهما لذات الشعارات القومية الشوفينية ، والمصطلحات التي لامعنى لها والمتمثلة في تكرار عين المقولات التي تحولت إلى نوع من الفوبيا من قبيل " الوقوف بوجه المحاولات الانفصالية ، وضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وسيادتها وسلامة أراضيها ، وعروبة سوريا ..إلخ ". وبالنظر إلى أهداف كلا الطرفين ، نجد أن النظام يسعى دائماً للحفاظ على مرتكزاته العسكرية والأمنية والفكرية والسياسية في سوريا، وشرعنة وتوسيع نطاق هذا الوجود من خلال عرض ومنح بعض الامتيازات كرشاوى لبعض المعارضات التي ركبت الموجة الثورية للحصول على بعض المكاسب ، بينما تسعى بعض المعارضات العربية الأخرى لعرقلة هذا التوسع وتقليل هذا الوجود دون المساس بجوهر البنى الفكرية والعسكرية والثقافية للنظام بشكل كامل !. ويتهرب الطرفان من الخوض في عيوب النظام المركزي الشمولي الذي يحكم سوريا ويتحكم بكامل مفاصل المجتمع السوري ، وتسبب في تدمير سوريا ، وتهجير أكثر من نصف سكانها.وكذلك يتهرب الطرفان من الإقرار بمزايا النظام الاتحادي ، ومبدأ التوافق في اتخاذ القرارات ورسم السياسات ، وبناء المؤسسات ، وإشراك ممثلي كافة المكونات في رسم مستقبل البلد .

ولجهة الموقف من وجود وحقوق بقية المكونات السورية ، نلاحظ أن سياسات الطرفين تجاه هذه القضايا الوطنية الأساسية ، تحمل هي الأخرى الكثير من التشابه والتناقض بآن معاً ، فكلاهما إلى الآن يتهربان من الاعتراف بحقيقة وجود وحقوق المكونات السورية الأخرى الغير عربية وفي مقدمتها وجود وحقوق الشعب الكوردي الذي يعيش على أرضه التاريخية ، ويحاول الطرفان دائما ترك الباب موارباً للتنصل من أي اتفاق قد يعقد بخصوص وجود هذه المكونات وحقوقها مستقبلاً .

من جانب آخر لا ترغب المعارضة العربية التي يغلب عليها طابع الإسلام السياسي الراديكالي في التفريط بعلاقاتها مع عمق التنظيم العالمي للإسلام السياسي ، لا سيما أن هذه العلاقات شهدت تطورا ملحوظاً وخطيراً خلال السنوات الأخيرة للثورة بعد أن ركبتها الفصائل الإسلامية العسكرية الراديكالية الوافدة من فروع القاعدة وتحت مسميات عديدة مثل ( النصرة وداعش وأخواتهما ) ، وكذلك مع مراكز التمويل التي تنتمي لنفس الخندق . والنظام هو الآخر يستمر في العمل كذراع للمشروع الإيراني في المنطقة وبالتعاون والتحالف مع الميليشيات المختلفة المتحالفة معه .

ولجهة المواقف من الوجود العسكري الأجنبي على الأراضي السورية ، وصراع النفوذ على سوريا بين إيران وتركيا وإسرائيل وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية ...إلخ ، فإننا نلاحظ هنا أيضا تقاربا وتضارباً وتناقضاً بين الطرفين، فكلا الطرفين لا يرغبان في أن يكون لحليف الآخر وجوداً وثقلاً ، في حين لايجد كل طرف حرجاً في الترحيب بتواجد حلفائه في سوريا !. إذ يعتبر كل طرف أن وجود حلفائه لايشكل مشكلة ، في حين يعتبر حليف الطرف الآخر محتلاً !. مثلاً المعارضةالعربية السنية تتبنى مواقف عدائية من التواجد الروسي والإيراني ومختلف الميليشيات الشيعية ، في حين ترحب بالتواجد التركي ومختلف فروع تنظيم القاعدة والتشكيلات الراديكالية الإسلامية الأخرى المعولمة والوافدة . بالمقابل النظام يرحب بالتواجد الروسي والإيراني ومختلف الميليشيات الشيعية ويعتبر هذا التواجد شرعياً ، ولكنه بالمقابل يتبنى مواقف عدائية تجاه التواجد التركي . ولكن كلا الطرفين يتفقان في تبني سياسة عدائية من التواجد الأمريكي والغربي في سوريا !.

والنقطة الجوهرية في مساحات التناقض والتقاطع بين النظام والمعارضات هي : من سيدير سوريا ، وماشكل الدولة السورية ونظام الحكم فيها مستقبلاً ؟ . إن مسألة إدارة سوريا في المستقبل ، بعد الانتهاء من مرحلة العنف المسلح تعد من أهم نقاط الخلاف بين الطرفين ، فالمعارضة العربية السنية ترى أنها الأحق في إدارة مستقبل البلاد كونها تمثل الأكثرية العددية ، بينما يرى نظام " الأسد " بأنه الشرعي ، والمحافظ على وحدة سوريا ، والمؤهل للبقاء ، والمقبول دولياً ، ويدعي بأنه يحارب الإرهاب ، ويطالب المعارضة بإلقاء السلاح والبحث عن سبل المشاركة في حكم البلاد عن طريق الانتخابات. والمهم هنا إلى أي حد ستنجح المعارضة السورية في إحداث اختراقات في جدار الدكتاتورية والشمولية من خلال المشاركة في حكم البلاد ، في ظل تركيبتها الطائفية هي الأخرى ؟. ألا نلاحظ أن طرفي الصراع يجمعهما أكثر مايفرقهما ، وأن تكرار المواقف السلبية على لسان الكثير من قيادات المعارضة يشبه إلى حدٍ بعيد مايصدر من أركان النظام لجهة نفي وإنكار وجود وحقوق بقية المكونات وخاصة وجود وحقوق شعبنا الكوردي ، وأن ماترفعها المعارضة العربية السنية تحديداً من شعارات هي عبارة عن فقاعات جوفاء ، في ظل غياب تام لمنهج عملي واضح لوضع تلك الشعارات موضع التطبيق في مسارات التغيير وإقامة البديل الديمقراطي ؟. ألم يبقى طرفي الصراع في حالة من التفاعل مع المبادرات المختلفة من مواقع ردات الفعل بدلاً من المساهمة في صياغتها، وتبنّي الطرفان للحل العسكري من دون أن يتمكّنا من توجيهه بشكل صحيح ؟. المعارضة السياسية نجحت في تمثيل الشارع الثوري ، ولكن هل نجحت في قيادة هذا الشارع وتوجيهه ؟. ألم تشكل سيطرة الإخوان المسلمين من خلال قياداتها الهرمة على قوى الثورة الناشئة التي افتقرت للخبرة والتجربة والدعم ، وكذلك تمكن الحرس القديم من السيطرة على بعض النفوس التي تؤمن بالتغيير في مؤسسات النظام ، وغياب استراتيجية مدروسة لكلا الطرفين – قوى الثورة الناشئة و بعض النفوس المؤمنة بالتغيير في أوساط النظام – أدى إلى تشكيل نوع من التحالف الغير معلن لضرب الثورة وحرفها ومن ثم سرقتها والقضاء عليها ؟. ألا يشكل مايجري في سوريا من عنف دموي نوعاً من أنواع الحروب الأهلية بين أتباع الديانات والطوائف الدينية المتعددة ، وكذلك بين أبناء الجماعات العرقية المختلفة ،وكجزء من صراع أوسع للانقسام الطائفي على المستوى الإقليمي ؟ . ومهما كانت مساحة المشتركات بين نظام البعث الحاكم وبين بعض أجنحة المعارضة ، هل يستطيع التحالف الغير معلن بين الطرفين من إلغاء تركيبة المجتمع السوري التي تشتمل على لوحة جميلة وغنيّة بالطوائف الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية والإيزيدية ، وكذلك القومية العربية والكوردية والتركمانية والسريانية ( كلدو – آشورية ) بالإضافة للأرمن والشركس ...إلخ ..؟. من هذا السرد السريع والمقتضب لتركيبة النظام والمعارضة ألا نلاحظ أن " المشروع الوطني السوري الجامع " والذي يأخذ بعين الاعتبار وجود وحقوق كافة المكونات القومية والدينية والمذهبية للشعب السوري هو نوع من الترف السياسي وأقرب للحلم منه للواقع ؟.