حدود على الرمال

حدود على الرمال

حدود على الرمال
علي مسلم
بالرغم من الهزات الجماهيرية المتعاقبة التي شهدتها، وما زالت تشهدها المناطق العربية في إطار ما سمي بثورات الربيع العربي على امل التخلص من الإرث الاستبدادي التي رافقت تشكيل الكيانات السياسية في المناطق التي كانت خاضعة للسلطنة العثمانية، الى ان التوجه الدولي برمته ليس في وارد الاستجابة لهذه التطلعات المشروعة على المدى القريب، والانتهاء من الآثار السياسية واللوجستية التي خلفتها اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وتقسيم منطقة الهلال الخصيب بين كل من فرنسا وبريطانيا وبمصادقة كلٍّ من إيطاليا وروسيا القيصرية، بل أن بعض الآراء تذهب الى ابعد من ذلك بكثير، بحيث تلمح الى ان ثمة بنود من هذه الاتفاقية ما زالت قيد السرية، ولم تخرج تداعياتها النهائية للعلن بعد، وتأتي مسألة الحفاظ على الحدود السياسية القائمة لتلك الدول التي تشكلت على أنقاض هذه الاتفاقية في مقدمة المسائل التي يجري الحفاظ عليها، دون النظر الى التأثيرات السلبية التي قد تنجم عن ذلك لاحقاً، ولاسيما مستقبل الشعب الكردي الذي تم تقسيم موطنه بين دول عدة، بناء على تبعات هذه الاتفاقية، والذي لخصها الكاتب البريطاني جيمس بار عام 2011 في كتاب سماها « خط على الرمال» الذي قسّم الشرق الأوسط في منتصفه دون أخذ أي اعتبار للتوزع القومي والاثني.

وإذا كان الإبقاء على هذا الواقع ينسجم مع المصالح السياسية والاقتصادية لتلك الدول التي قامت بعملية التقسيم على اعتبار انها انتصرت في الحرب، الا ان ذلك لم يعد يلبي التطلعات السياسية لتلك الشعوب التي عانت من تبعات هذا التقسيم على مدى قرن كامل، وسيكون ذلك بمثابة المقدمة لاستدامة الانتفاضات الجماهيرية الدامية على غرار ما يحصل الآن في كل من لبنان والعراق وإيران، وربما لاحقاً الجزائر وغيرها من الدول.

لهذا نجد أن الدول التي باتت تتصدر قيادة ترتيبات المشهد السياسي في هذه المنطقة سواء المعنية مباشرة بعملية التقسيم مثل بريطانيا وفرنسا، وتلك الدول التي تقاطعت مصالحها مع ترتيبات هذه الاتفاقية لاحقاً مثل أمريكا وروسيا مدعوّة للعب دور في ملء هذا الفراغ السياسي الحاصل، ليس من جهة انهاء نظم الاستبداد القائمة فحسب، بل يجب أن يطال ذلك مستقبل ومصير الشعوب التي ما زالت مُغيّبة عن رسم مسار لائق لمستقبلها السياسي، فإذا كان تغيير أو تعديل حدود هذه الدول مستحيلاً في هذا التوقيت؟ فلا يبدو مستحيلاً أن يتم إعادة النظر بقوانين ودساتير هذه الدول ليصار إلى تأمين حقوق مكوناتها المتباينة قومياً واثنياً ضمن حدود كل دولة من هذه الدول.