ايران .. والصفعات المتتالية

  ايران .. والصفعات المتتالية


ايران .. والصفعات المتتالية
شريف علي
خلال أقل من ثلاثة أشهر مضت لا يكاد النظام الايراني يستفيق من تأثير صفعة حتى يتعرض لأخرى أكثر وأعمق تأثيراً. انها دلائل قاطعة على تزايد الرفض الداخلي وحتى الخارجي للسياسة الاستبدادية التوسعية لنظام ولاية الفقيه وتدخلاته المستمرة والمتزايدة في شؤون دول المنطقة على حساب لقمة عيش المواطن الايراني وأمن المنطقة واستقرارها.

ففي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي اجتاحت المدن الايرانية برمتها موجة احتجاجات عارمة جراء السياسة المستبدة للنظام، وتدهور الحالة المعيشية لغالبية المواطنين، والتي جوبهت بشراسة من جانب أجهزة الأمن الإيرانية، وراح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى، وزج الآلاف منهم في السجون، دون ان يتمكن النظام ورغم عنفه المبالغ من احتواءها، لبقاء الاسباب ودواعيها معلقة دون حلول.

مما شكلّت جمرة متقدة تحت رماد الغضب الجماهيري الذي أرعب النظام وهزت أركانه مما زاد من وتيرة عنفه ودمويته بحق تلك الجماهير في الداخل الايراني وخارجه من خلال أذرعه التي طالت بلدان المنطقة وصولاً إلى العمق الافريقي مروراً ببلدان الخليج، الأمر الذي بات تهديداً على ما هو مخطط له من جانب الإدارة الأمريكية في المنطقة، وتجاوزاً واضحاً على ما رسمته لها الإدارة الأمريكية بالتنسيق مع بريطانيا تحديداً لقاء جرّها للتوقيع على الاتفاق النووي في عهد الرئيس أوباما، مع اطلاق يدها في العراق، والتغاضي عن الدعم الذي قدمته لحكومة المالكي وبلورة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" تحت اشراف رجل المخابرات الإيرانية "قاسم سليماني" مباشرة، وما شكل هذا التنظيم كقوة رديفة للأذرع العسكرية الإيرانية في المنطقة رغم الادعاء الإيراني بمحاربتها كمنظمة إرهابية، إلا ان تطورات الأحداث وهزيمة داعش وما تبع ذلك من تصعيد إيراني ضد المصالح الأمريكية واستهداف كوردستان كقاعدة للتحالف الدولي ضد داعش. وضعت قادة تنظيم فيلق القدس على امتداد العراق وسوريا ولبنان على لائحة الأهداف الأمريكية.

ليأتي الثالث من يناير الجاري موعداً لنهاية قاسم سليماني وساعده الأيمن أبو مهدي المهندس والصفعة الثانية للنظام الإيراني، الذي بات يتخبط وهو يحاول إيجاد سبيل للحفاظ على ماء الوجه، بما يضمن المواجهة غير المباشرة مع الولايات المتحدة.

غير ان الرد ارتد على النظام وبضراوة أشد، إن كان في الداخل العراقي – حيث قتل سليماني- من خلال استهداف قاعدة عين الأسد الأمريكية بالصواريخ من جانب ميليشيات عراقية، وهذا ما أظهر حقيقة مصدر قرار تلك الحشود المسلحة والتي تعبث بالعراق تحت غطاء كونها جزءاً من المنظومة العسكرية العراقية، ومرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة العراقية وفي الداخل الإيراني، كان الأمر أكثر خطورة بالنسبة للقيادة الإيرانية عندما تورط بإسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية وراح ضحيتها قرابة مائتي من المدنيين غالبيتهم من الأجانب، مما كشف الطبيعة الإرهابية للنظام. وهو الأمر الذي جعله عرضة للصفعة الثالثة ومن الداخل الإيراني عبر تصاعد موجة جديدة من الاحتجاجات استنكاراً لمجزرة الطائرة المدنية.

الاحتجاجات كسرت حاجز الخوف تجاه بطش النظام الأمني، حيث تعالت فيها شعارات الداعية إلى رحيل الخامنئي ووصفه بالدكتاتور، والمقتول سليماني بالقاتل، مما أضفى على تلك الاحتجاجات ميزات أخرى تعتبر مؤشرات على حاجة الغرب لضرورة تغيير سياسة النظام كحد أدنى من لائحة التغييرات القادمة في المنطقة.

أولاً- الارتياح الأوروبي لتلك الاحتجاجات على خلفية احتجاز السلطات للسفير البريطاني في طهران، وهذا بحد ذاته مؤشراً قوياً على دخول بريطانيا إلى جانب أمريكا على خط دعم الاحتجاجات، يضاف إلى ذلك اسقاط النظام للطائرة الأوكرانية والتي كانت من بين ضحاياها العشرات من رعايا البلدان الأوروبية.

ثانياً- امتداد ساحة الاحتجاجات إلى أحد أهم معاقل الحرس الثوري وهي مدينة كرمان مسقط رأس سليماني مما يعكس التذمر الذي بات يسود صفوف أفراد الحرس الثوري وفيلق سليماني الدموي، والدعم والتأييد الذي تلقاء من الشارع الإيراني خاصة طلبة الجامعات.
الصفعات المتتالية على النظام الإيراني لها دلالات على قرب نهاية النظام الذي بات تغييره من مستلزمات بناء الشرق الأوسط الجديد على ضوء المخطط الغربي المرسوم على الطاولة الأمريكية البريطانية.