وحدة الكورد تتطلب إستدراك الراهن لا اجترار الماضي

وحدة الكورد تتطلب إستدراك الراهن لا اجترار الماضي

وحدة الكورد تتطلب إستدراك الراهن لا اجترار الماضي
نـوري بـريـمـو (5-4-2020)

العديد من الأوساط المهتمة بالشأن السياسي في كردستان سوريا الغائصة في غياهب التأزمات الداخلية والتدخلات الخارجية، حاولت وتحاول أن تقترح أسس سلسة لإعادة ترتيب أولويات ومقومات الحراك السياسي الكردي المتعثِّر حاليا بفعل مفاعيل ذاتية معيقة وأخرى موضوعية متربصة، في مسعى منها لدفع ماكينة هذا الحراك المدافع عن القضية الكردية نحو الأمام ووفق مسار صحيح عبر تقريب وجهات النظر وتحديث آليات العمل لإفساح هامش أوسع للتلاقي والحوار ولتوسيع دائرة التفاهمات ولتضييق هوامش التشنجات التي لم تجلب للجانب الكردي سوى الأذية والضرر.

ولعل أحد أبرز عوامل الأزمة التي يعانيها حراكنا الكردي هو إستشراء حالة التشرذم في صفوف حركتنا السياسية، وهي واحدة من أعقد المشكلات التي تواجهها جهود توصيف الراهن بشكل صحيح والإتيان بالأفضل، لأنها أي تلك الإنشقاقات قد طوّقت بفعلها السلبي جوانب عديدة من حراكنا وهي لم ولن تؤدي سوى إلى زيادة الإرتباك وضياع المسؤولية وكثرة السلبيات وندرة الإيجابيات لدى اتخاذ أي قرار بأي شأن عام أو خاص.

وبما أنّ العلاقات البينية الغير صحية ماتزال هي السائدة بين أحزابنا الكردية على إختلاف إنتماءاتها وأطرها، ولأنّ تخندقاتها الحالية هي مبنية إما على مصالح شخصية أو على ردود الأفعال أو على تعليمات خارجية قد يكون وراءها النظام السوري أو غيره، وطبعاً لا يخلو الأمر من وجود بعض الإصطفافات والأطر الطبيعة والفاعلة والتي لولاها لكان حراكنا في خبر كان، وبما أنّ كردستان سوريا قد تشتت وبات حاضرها ومستقبلها مرميّاً في أفواه ثعابين تدُسُّ السموم للكرد ولا ترحمهم خاصة بعدما حصل في عفرين وسري كانية وكري سبي وغيرها ومايزال الحبل على الجرار والأحوال تسير من سيئ إلى أسوءّ وقد يزحف الخطر إلى منطقتي كوباني والجزيرة، فإن الحاجة باتت ملحة لإعادة النظر في مواقفنا وآليات عملنا وأنماط تفكيرنا وتحديث وتفعيل مؤسساتنا الحاضرة ، وذلك بحسب الحاجة ووفق منوال ذو جدوى كردي وليس حزبي، أي ينبغي أن لا ننسى بأنّ هنالك ثمة أولويات تخص حقوق ووجود شعبنا وتقتضي إحداث نقلة نوعية تُحقّق التغيير في المضمون وليس في الشكل، وذلك لإستعادة هيبة حراكنا السياسي وإغنائه بآفاق جديدة أكثر رحابة وإنفراجية، لاسيّما وأنّ جلّ ما نطمح إليه هو تحديث بنّاء يحافظ على قديمنا ويستوعب جديدنا في سياق مسار عقلاني ينسجم مع المتغيرات الميدانية الحاصلة في ديارنا وفي سوريا والعالم.

وإنّ مستلزمات الترميم الذاتي والبدء بمشروع تطويري عملي وليس نظري، تفرض علينا وضع النقاط على الحروف بمنتهى الشفافية والخوض في مراكمة الحراك كسباق سياسي عنوانه إستدراك الراهن والتخلي عن إجترار الماضي، والتحلي بروحية العطاء وليس التزمّـت بنزعة الأنانية والمطالبة بالاستحقاقات دون الواجبات، نظراً لما قد نواجهه من عوائق ذاتية وأخرى موضوعية قد تعترض منحى إندفاعنا الإرادي صوب التأسيس لتحالفات إيجابية تنبُـذ التخالف وتنجذب للتوافق، للخوض جنباً إلى جنب في مسيرة النضال الهادف لتعزيز أدائنا في ربوع ساحتنا الكردية التواقة لتحقيق الحقوق قولاً وعملاً.
وبهذا الصدد وفي ظل هذا الراهن السوري المتأرجح بشكل إرتيابي لصالح هذا الطرف أو ذاك، ينبغي حّث كل الاطراف على تكثيف جهودها لتعزيز الحوار وتوسيع نطاق المصالحة الداخلية التي بمقدورها ترجمة التوافقات النظرية إلى خطوات عملية، لاسيما فيما يخص إعادة النظر في التعامل مع القضايا الخلافية التي يؤجج نيرانها بعض الوصوليين وخاصة الدخلاء والأغراب عن ساحتنا الكردية السورية.
لكنّ هذا الطموح صوب تلاقي الكرد وتوحيد صفوفهم، لن يتحقق ما لم تبتعد كافة الأفرقاء عن الشكليات والمجاملات أثناء تحاورها أو حتى تخاصمها، وما لم تنخرط جمعاً في خضمّ المصارحات الداخلية بقصد المكاشفة بكل الأمور، وما لم نطوي صفحة الماضي وما لم يتم وضع حدّ للإشكاليات المعيقة التي سيتم حلها مستقبلا إن شئنا أم أبينا، وما لم يُـقتصَر الوقت وتـُختصَر المسافات ويُكسَر الجمود على دروب تمتين العلاقات للإرتقاء جمعاً نحو وحدة الصف التي كانت وستبقى هاجس كل الكرد.
وبخصوص توحيد الصفوف وللعلم فقط وليس للدخول في سجالات خلافاتية نحن بغنى عنها، فقد كانت هنالك إتفاقيات عديدة معلَنَة بين بين طرفي المعادلة أي بين المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب (PYD) مثل إتفاقيات هولير1 وهولير2 ودهوك وقد تنصل منها الأخير وتصرّف بعكس ما كان متّفَقٌ عليه، وتلى ذلك المبادرة الفرنسية ومبادرتي مظلوم عبدي و (KNK) والمساعي الامريكية الجارية على قدم وساق، وقد تعامل (ENKS) بمنتهى الإيجابية مع كل هذه المبارات وهو مستعد للدخول في أية مفاوضات جادّة وجديدة ووفق أسس قومية تصون البيت الكردي وتلبي حقوق الكرد، وبالمقابل لم يوفِّر (PYD) بإعتاره "سلطة أمر واقع" حتى الآن أية بوادر إنفراجية لخلق أجواء عودة الألفة والثقة بين الطرفين وباقي الأطراف لتعزيز مستلزمات إعادة ترتيب البيت في كردستان سوريا.
ولكي لا نهدر الوقت ولأنْ لا تذهب جهودنا هباء منثوراً وحتى نستطيع أن نـُخرجْ أنفسنا من المربع الأول أي مربع التنازع والإفتراق، فلا سبيل أمامنا سوى التوافق الذي ينبغي أن يصبح خياراً إستراتيجياً لدى الجميع ولاسيما الغيارى على القضية الكردية شريطة أن لا ننسى الاستفادة من تجاربنا، وهنا ليس بالوسع سوى دعوة جميع المعنيين بشأن الحوار "الكردي - الكردي" وخاصة الأطراف الرئيسية لهذه المعادلة للجلوس معاً حول طاولة مستديرة ولتكن هذا الطاولة برعاية بارزانية و أمريكية مشتركة لتضمن لها أن تلقى النور والنجاح على أرض الواقع ولنستثمر هذه الفرصة التاريخية المتاحة لنا في ظروف سوريا المنهَكة والتي باتت قاب قوسين أو أدنى من مهب رياح التقسيم، ولنخطو معا بخطى واثقة وموحدة صوب تحقيق مايصبو إليه شعبنا الكردي المضطهَد عبر العصور.