الإبادة الجماعية في القانون الدولي

الإبادة الجماعية في القانون الدولي

الإبادة الجماعية في القانون الدولي
زهرة احمد
" الأنفال "

التاريخ الإنساني مليء بالمجازر التي ارتكبت من قبل الدول ضد شعوبها أوضد شعوب أخرى أدت إلى إبادتها بجميع ملامحها الإنسانية، ومن شدة هول المأساة والدمار اللذين خلفتهما تلك المجازر ارتفعت أصوات على مستوى دولي لتصنيفها ضمن جرائم دولية معاقب عليها وذلك للتخفيف من تلك الجرائم التي دمرت حتى القيم الإنسانية وذاقت مرارتها الأجيال المتعاقبة، ولما له تأثير على الأمن والسلم الدوليين التي أكدت عليها الأمم المتحدة ضمن أهدافها وفي ميثاقها.

ومن بين تلك الجرائم الدولية:

جريمة الإبادة الجماعية

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها المنعقد بباريس في 9 كانون الأول 1948م اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.

وهي تعريفاً: كل عمل يرمي إلى إفناء شامل أو جزئي لإحدى المجموعات القومية أو الدينية، والإبادة هي كل فعل يهدف من ورائه الجاني إلى القضاء على جماعة بشرية أو دينية أو عرقية قضاءً كلياً أو جزئياً بشكل مباشر أو غير مباشر أو بالتحريض على قتل أعضاء الجماعة المشار إليها في المادة الثالثة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص: ” لكل فرد الحق في الحياة والحرية و السلامة الشخصية ” . وحسب نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من الاتفاقية الدولية يعتبر الجرم إبادة جماعية ضد أي مجموعة إذا كانت قد اتخذت إحدى الأفعال التالية :

1ــ الإبادة الجسدية بهدف افناء مجموعة بشرية.

2ــ إلحاق أضرار جسدية ونفسية بالغة بأعضاء هذه الجماعة.

3ــ فرض ظروف على الجماعة تؤدي إلى منع الولادة والتكاثر ضمن الجماعة.

4ــ نقل أطفال جماعة بشرية لجماعة أخرى قسراً .

ظهور مصطلح الإبادة الجماعية ” genocide ” رسمياً لأول مرة كان في التوصية رقم 96/1 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1946م حيث أدانت الجمعية العامة هذه الجريمة بعد أن وصفتها بأنها من جرائم القانون الدولي وبأنها محل إدانة العالم المتمدن.

مصطلح الإبادة الجماعية مشتق من الكلمة اللاتينيةGenus ومعناها الجماعة ومن كلمة Cedere ومعناه: يقتل، ومصطلح الإبادة الجماعية يشير إلى تدمير أمة أو جماعة عرقية ولا يعني بالضرورة التدمير الفوري لهذه الأمة أو الأثنية بل يعني في الغالب وجود خطة منظمة للقيام بأفعال مختلفة تهدف إلى القضاء على الأسس والركائز الحيوية التي تقوم عليها حياة الجماعة القومية والإثنية وتؤدي في النهاية إلى تدمير الجماعة ذاتها، فالغرض من هذه الخطة هو إقصاء أو إفناء المؤسسات والبنى السياسية والاجتماعية للجماعة وكذلك الأمر بالنسبة للغتها وديانتها وثقافتها ووجودها الاقتصادي كما تهدف الخطة أيضاً إلى الاعتداء على السلامة البدنية والشخصية للأفراد المنتمين للجماعة محل الإبادة.

فالإبادة الجماعية ترتكب ضد الجماعة القومية أو الاثنية بصفتها كائناً مستقلاً له ذاتية خاصة به.

أركان جريمة الإبادة الجماعية:

1ــ الجماعات المشمولة بجريمة الإبادة الجماعية.

2ــ صور السلوك الجرمي المكون للركن المادي للجريمة.

3ــ طبيعة القصد الجنائي الواجب توافره لقيام الجريمة.

أولاً: الجماعات المشمولة بجريمة الإبادة الجماعية:

إن السلوك الجرمي في جريمة الإبادة الجماعية يتسم بصفة تمييزية لجهة محل الجريمة فالهوية القومية أو العرقية أو الدينية للضحية تمثل ركناً أساسياً من أركان جريمة الإبادة الجماعية ففي التوصية رقم 96/1 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1946م .

أعلنت الجمعية العامة أن الإبادة الجماعية تمثل إنكاراً لحق الجماعات الإنسانية في العيش والوجود شأنها شأن القتل العمد الذي يتضمن إنكاراً لحق الكائن الإنساني في الحياة . فعضوية الفرد الموجه ضده الفعل الجرمي لها أهمية كبيرة جداً في تحديد الضحايا المباشرين لمرتكب جريمة الإبادة الجماعية وهي أهم بكثير من الضحية نفسه.

ثانياً : الركن المادي لجريمة الإبادة الجماعية:

يتمثل الركن المادي لجريمة الإبادة الجماعية في إتيان أحد الأفعال المكونة للسلوك أو أكثر وهذه الأفعال محددة على سبيل الحصر في تعريف جريمة الإبادة الجماعية في الصكوك الدولية المختلفة المتعلقة بهذه الجريمة ولا يشترط لقيام هذه الجريمة أن يؤدي الفعل المرتكب إلى التدمير الكلي أو الجزئي للجماعة فعلاً فيكفي أن تتوافر النية الجرمية عند مرتكب الفعل للحصول على هذه النتيجة ومن السمات المميزة للسلوك الجرمي في جريمة الإبادة الجماعية اتساع نطاقه والانتشار الواسع للانتهاكات المترتبة على إتيانه.

أهم صور السلوك الجرمي المكون للركن المادي للجريمة:

1ــ الإبادة الجماعية بالقتل أي أن الفعل في هذه الجريمة يجب أن يكون مقصوداً ومقترناً بقصد الإبادة للجماعة.

2ــ الإبادة بالحاق أذى بدني أو عقلي جسيم: أي الأذى الذي يسبب أضراراً جسيمة بالصحة أو بأعضاء الأنسان الداخلية أو الخارجية أو الحواس وتشمل أيضاً التعذيب والمعاملة الغير إنسانية، أما الاغتصاب والعنف الجنسي يعد من أسوء الأفعال الجرمية المسببة لأذى جسيم بدني ومعنوي في آن معاً ويشكل سلوكاً جرمياً في جريمة الإبادة الجماعية عندما تتوافر شروط وظروف معينة وذلك عندما ترتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي للجماعة التي ينتمي إليها ضحايا الاغتصاب أو العنف الجنسي.

3ــ الإبادة الجماعية بفرض أحوال معيشة يقصد بها التسبب عمداً في تدمير الجماعة مادياً: ومن أمثلتها الإبعاد المنظم للأشخاص المنتمين للجماعة عن مساكنهم ومواطنهم وحرمانهم من المعونات والخدمات الطبية لمدة طويلة.

4ــ الإبادة الجماعية بفرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة.

5ــ الإبادة الجماعية بنقل الأطفال عنوة إلى جماعة أخرى.

ثالثاً: الركن المعنوي للجريمة:

يتمثل الركن المعنوي في جريمة الإبادة الجماعية باتجاه إرادة الفاعل لارتكاب أحد الأفعال المكونة للسلوك الجرمي في الجريمة مع علمه بأن هذا الفعل محظور ومعاقب عليه وذلك بغية تدمير جماعة قومية أو اثنية أوعرقية أو دينية تدميراً كلياً أوجزئياً فلا يكتفي في جريمة الإبادة الجماعية بالقصد العام بل لا بد من قصد خاص يتمثل في نية الإبادة أو في نية التدمير الكلي أو الجزئي للجماعة.

أما بالنسبة للشعب الكردي:

فقد كان أكثر شعوب العالم تعرضاً للظلم والاستبداد على أيدي الأنظمة الدكتاتورية في الأجزاء الأربعة لكردستان، تلك الأنظمة التي سلبت منه حريته وجردته من حقوقه الطبيعية بالرغم من دساتير تلك الدول التي تؤكد على حقوق الإنسان وحرياته، والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وتوقيعها عليه، إلا أن العقل الفاشي، والسياسة الشوفينية تعدت كل الخطوط الحمراء إلى مرحلة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. فأزالت قرى بسكانها، غيرت ديمغرافية أجزاء واسعة من كردستان، هجرت قسراً أبناءها وأجبرتهم على تغيير قوميتهم، حاولت جاهداً طمس معالم الثقافة الكردية وغيرها الكثير من الأعمال اللاإنسانية بحق الكرد.

وقد توجت تلك السياسات الشوفينية بالإبادة الجماعية في حلبجة وبارزان وحملات الأنفال وما المقابر الجماعية إلا دليل على الظلم الذي لحق بالشعب الكردي، وما حصل في شنكال وكوباني ويحصل الآن في عفرين إلا استمرار لتلك السياسات الشوفينية السابقة وإن اختلفت أدواتها.

الأنفال:

إحدى عمليات الإبادة الجماعية التي قام بها النظام العراقي السابق عام 1988م ضد الشعب الكردي في إقليم كردستان حيث قامت الحكومة العراقية بتدمير ما يقارب 2000 قرية وقتل الألاف من المواطنين الأبرياء وإجبار قرابة نصف مليون مواطن كردي على الإقامة في قرى أقامتها الحكومة العراقية آنذاك كي يسهل السيطرة عليهم، وجرى إلقاء القبض على أكثر من 82000 مواطن كردي جرى تصفيتهم ودفنهم في قبور جماعية في مناطق نائية من العراق.

وتكونت مراحل حملات الأنفال من:

– الأنفال الأولى: منطقة السليمانية، محاصرة منطقة (سركه لو) في 23 شباط لغاية 19 آذار/1988.

– الأنفال الثانية: منطقة قرداغ، بازيان ودربنديخان في 22 أذار لغاية 1 نيسان.

– الأنفال الثالثة: منطقة كرميان، كلار، باونور، كفري، دووز، سنكاو، قادر كرم، في 20 نيسان من نفس العام.

– الأنفال الرابعة: في حدود سهل (زيي بجوك) أي بمعنى منطقة كويه وطق طق وآغجلر وناوشوان، في 3 أيار الى 8 أيار .

– الأنفال الخامسة والسادسة والسابعة: محيط شقلاوة وراوندز في 15 أيار ولغاية 26 آب.

– الأنفال الثامنة: المرحلة الأخيرة، منطقة بادينان، آميدي، آكري، زاخو، شيخان، دهوك، في 25 آب ولغاية 6 ايلول من نفس العام.

وحسب تقرير المنظمات الدولية لمراقبة حقوق الانسان تمت الإشارة الى أن الأنفال وفقاً للمقاييس الدولية واستناداً إلى أركان جريمة الإبادة الجماعية في القانون الدولي فإن عمليات الأنفال هي جريمة الإبادة الجماعية.

لذلك على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته القانونية في تعريف جريمة الأنفال كجريمة إبادة جماعية "جينوسايد"
وأن تتحمل الدولة العراقية مسؤولية تعويض ذوي وعوائل ‏شهداء الأنفال.

المجد والخلود لأرواح الشهداء