حول المظالم في ظل الأزمة السورية... عفرين نموذجاً

حول المظالم في ظل الأزمة السورية... عفرين نموذجاً

حول المظالم في ظل الأزمة السورية... عفرين نموذجاً
نوري بريمو (30-6-2020)
إنْ إحترمنا أنفسنا وإحتكمنا لجادة صواب إحترام الحقيقة فإنه كان على شعبنا الكردي في كردستان سوريا وباقي أقليات البلد أن يقفوا على الحياد من الإصطفافات التي حصلت في بداية الثورة السورية2011م والتي تحوّلتْ فيما بعد وعلى مركوب طائفي إلى أزمة عالقة وخانقة للبلاد والعباد، لأنه لا ولم يكن لغير السنّة والعلويين أية ناقة أو جمل في النزاع الطائفي الذي جرى ويجري بينهما في هذه الدولة المتعددة القوميات والأديان والطوائف والغير متجانسة سكانياً والتي تم تشكيلها قبل مئة عام فقط على ضوء المصالح الدولية وبموجب المحاصصة اللتي جرت بين الفائزين في الحرب العالمية الأولى بُعَيدَ إتفاقية سايكس بيكو 1916م؟

ولكن وفي الحقيقة لم يكن أما الجانب السياسي الكردي الذي ينبذ العنف وعسكرة الحلول والنعرات القومية والمذهبة، سوى أنْ يصطف مع الشعب السوري ويقف ضد نظام البعث الذي أنكر وجود الكرد وإتّبَع على مدى سنوات حكمه سياسة شوفينية ضد الشعب الكردي، والذي لم ولن يكفّ عن تعامله الأمني مع كافة الملفات السورية وفي مقدمتها الملف الكردي العالق بسبب نمط التفكير الشوفيني المهيمن على عقول الأكثرية العربية التي حاول ويحاول حكامها صهر كل الأقوام والأطياف في بوتقة عروبيتها.

ليس هذا فحسب بل أنشد الكرد وينشدون لخيار الحوار الذي لو كان حصل بين السوريين منذ البداية لكان من شأنه أن يوفّر مستلزمات ومقومات السلم الأهلي الذي ضاع بين أقدام وفوّهات بنادق مسلحي كافة الأطراف، مما أدى الى اغراق الجميع في بحور حرب أهلية باتت تهدّد حاضر ومستقبل وجغرافية سوريا التي باتت عُرضة للتقسيم بسبب ازدياد حدّة التناحرات الفئوية التي كان لا يجوز أن نتوه في دوامة جراحاتها وحيثياتها وتداعياتها المؤذية.

ولكنْ وفي كل الأحوال وها قد حصل ما حصل ووقع الفأس في الرأس وتفرّق السوريون وتوزّعوا بين طرفٍ موالي للنظام وآخر معارض وتقاتلوا وتذابحوا وتشردوا وباتوا أيتام ولاجئو هذا العصر الذي لا يرحم الضعفاء، يُفترَض بنا جميعاً أن نبادر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وذلك من خلال الكف عن التناحرات والحروب الطائفية والعرقية التي لا غالب فيها ولا مغلوب، وأنْ نتطلع إلى إصلاح الحاضر والسعي للإتيان بمستقبل أفضل شريطة إبداء الحذر من مغبة التعاطي السلبي حيال الآخر والوقوع في فخاخ الإدمان العرقي أو المذهبي أو غيره من المتراكمات العقائدية التي تسبّبَت في الماضي بإبقائنا على هامش عصرنا، والتي تتسبّب حالياً في سريان حالة "ظلم السوري لأخيه السوري وإستباحة دمه وعِرضه وأرضه" في مناطق نفوذ النظام وفي مناطق نفوذ المعارضة أيضاً!، ولعلّ الأمثلة كثيرة وأبرزها ما حصل من مجازر طائفية على الهوية في درعا وغوطة دمشق وحلب وريفها والرقة وديرالزور وحمص والرستن وبانياس وجسر الشغور وكوباني وغيرها، لكنّ ما تشهده المناطق الكردية مثل (عفرين وسري كانية وكري سبي) هي الشاهد الأكثر دلالة على إرتكاب مثل هذه المظالم بل الغزوات الإستيطانية والإستباحات والإنتهاكات الشوفيينة التي يتم ارتكابها بحق بنات وأبناء شعبنا الكردي في عقر ديارهم التي ورثوها عن آبائهم وأجداهم منذ القدم، ولتبيان الحقيقة والوقوف عندها فإنّ منطقة عفرين (جبل الكُرد) التي تعرّضت وتتعرض حالياً لمظالم شوفينية بموجب صفقة رخيصة تم إبرامها بين الدول الإقليمية وبرعاية روسية، تُعتبَر ضحيةً ونموذجاً فاضحاً من نماذج القهر القومي والتغيير الديمغرافي والتمييز العنصري لمقيت.

وفي المحصلة فإنّ أية جرائم كالجرائم التي يتعرض لها أهالي عفرين على أيدي مسلحي المعارضة، والتي يتم إقترافها على الهوية ضد المدنيين المسالمين وتستهدف وجود أية قومية أو دين أو طائفة، هي مُدانة شكلا ومضمونا وهي لطخات عار على جبين فاعليها وتندرج في إطار الجرائم العنصرية ضد الإنسانية، وإذا كان السوريون المغلوب على أمرهم لا يستطيعون حالياً محاسبة مرتكبي هكذا إنتهاكات في ظل غياب دور هيئة الأمم المتحدة وسريان مفعول مقولة "القوي يأكل الضعيف"، فإنّ التاريخ يُمهل ولا يُهمل ولن يرحم المجرمين والطغاة بمختلف أشكالهم وألوانهم ومنابتهم ومشاربهم، وللتذكير فقط فقد فعل التاريخ فعله العادل وقضى على الكثيرين من الجبابرة والقياصرة والسلاطين والفراعين والملوك على مرّ العصور البشرية، فهل يأخذ مجرمو هذه المرحلة السورية عِبْرة مما حصل لأمثالهم من الجبناء الذين ثارت عليهم شعوبهم وهدّمت قلاعهم ودكّت عروشهم وداستهم بأقدامهم ورموهم في مزبلة التاريخ.