الهروب نحو الأمام

الهروب نحو الأمام

الهروب نحو الأمام
علي مسلم
تفشت ظاهرة خطف القصر من الجنسين في مجمل بيئات المجتمع الكردي في سوريا سيما في الآونة الأخيرة، بدءاً من عفرين ومروراً بكوباني وانتهاءً بمناطق الجزيرة، وهي على كل حال ليست ظاهرة جديدة، إنما توقيتها المتجدد بات يشغل بال العديد من الأوساط الاجتماعية والسياسية لكرد سوريا، سيما وانها تحمل في طياتها نفحات ساخنة من التحدّي الصارخ، ففي الوقت الذي يتم فيها التحضير لبيئة من شأنها دفع الأمور نحو المزيد من فرص الاستقرار في المناطق الكردية بحيث يتسنى للجهات المتحاورة الوصول بشكل انسيابي الى نتائج إيجابية مرضية، تتمحور حول مستقبل الكرد في سوريا، نرى أن بعض الجهات النافذة ما زالت تسعى من طرفها الى وضع العصي أمام عجلات الحوار، في محاولة منهم لإنهاء هذا الفصل الجديد من الحوار الجدي الذي بدأ في نيسان هذا العام، كما انتهت الفصول السابقة التي بدأت خلال أعوام 2012 و2013 و 2014 في هولير1 وهولير2 ودهوك.

وبدون الخوض في تفاصيل ودواعي الحوار الذي يجري برعاية تامة من الولايات المتحدة الامريكية، بين المجلس الوطني الكردي من جهة وما سميت بأحزاب الوحدة الوطنية الكردية بقيادة حزب الاتحاد الديموقراطي من جهة أخرى، لا بدّ من الإشارة الى أن المجتمع الكردي في سوريا بمؤسساته وأحزابه بات أمام خيارات صعبة، فمن جهة يعاني هذا المجتمع انقساماً شاقولياً حاداً طالت في جزئياتها الأسرة والحي والقرية والمدينة، وكان من نتائجها المباشرة نزوح ما يقارب النصف مليون مدني من مناطق سكناهم، بعد أن فقدوا أدنى معايير الأمان، وهذا الأمر فيما لو استمر على ذات المنوال سيكون له تبعات كارثية ليس على مستقبل الكرد في سوريا فحسب، بل سيطال تأثير ذلك على مجمل الأطياف الوطنية المتعايشة مع أبناء الشعب الكردي، الى جانب العديد من التبعات اللوجستية الأخرى.

فهذه المنظومة المتعجرفة التي سعت وما زالت تسعى عبر ماكينتها المتطرفة للاستحواذ على مجمل المقدرات المجتمعية والاقتصادية المتاحة عبر وسائلها الخاصة، لم تكتفِ بما لحق بهذا المجتمع من وبال على مر سنين الحرب الطويلة، بل باتت تستحضر من أرشيف الطغاة بعضاً من وسائل التطويع والتحكُّم، وفق آلية الهروب نحو الأمام وذلك عبر عزل الجيل الناشئ عن بيئاتهم الاجتماعية، على غرار ما كان يفعله سلاطين الامبراطوريات الغابرة لبناء جيوش إنكشارية لغاية استدامة أمد الحرب ما أمكن، وبالتالي مد الجبهات الساخنة بكافة المستلزمات المطلوبة، بما في ذلك الوقود البشري ومن الجنسين معاً.