المفاوضات الكوردية والآمال المرتقبة

المفاوضات الكوردية والآمال المرتقبة

المفاوضات الكوردية والآمال المرتقبة
زهرة أحمد

"التفاوض فن وعلم بحد ذاته، له علاقة بالعديد من العلوم كالسياسية وعلوم الاجتماع واللغويات وعلم النفس والإدارة، وعلوم العلاقات الدولية.

ظهر التفاوض منذ فجر التاريخ لتغيير وجهة خيارات الحروب وبوصلتها المدمرة إلى خيارات سلمية من الحوارات والتفاهمات، لتكون وسيلة لحل النزاعات بالطرق السلمية والوصول إلى تفاهمات ترضي كل أطراف النزاع بدون اللجوء إلى القوة.
تبلورت عملية التفاوض منذ نشأة المجتمع، وهي تبدأ-عادة- بالحوار لتنتهي إما باتفاق أو بالحرب؟
ونتيحة لما تخلفه الحلول المسلحة أو النزاعات من مآس على البشرية، فقدأصبحت المفاوضات من أهم الأنشطة الفعالة لتسوية الخلافات، كي تلعب دوراً كبيراً في العصر الحديث، فهذا الأسلوب الذي يسعى من خلاله البشر إلى حل خلافاتهم والوصول إلى حلول مرضية ومقبولة لجميع الأطراف، كبديل لا غنى عنه في الصراعات والحروب والمواجهات.
ففي الصراعات والخلافات الدولية حلت المفاوضات محل الحروب المعلنة بين الدول وأصبح التفاوض يحقق نتائج أقوى من الحروب ونتائجها الكارثية.
من هنا تظهر أهمية التفاوض كونه المخرج أو المنفذ الوحيد الممكن استخدامه لمعالجة القضية التفاوضية والوصول إلى حل للمشكلة المتنازع بشأنها سلمياً.

ولعلنا نعلم بأن القوة العسكرية كانت سيدة المنازعات وأهم مظاهر السيادة، إلا أنه بعد ميثاق الأمم المتحدة التزمت الدول بالطرق السلمية في حل النزعات، جاء ذلك صريحاً في الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة في المادة " 33"

الفصل السادس: في حل المنازعات حلاً سلمياً
المادة 33 :
" يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها"

نلاحظ من خلال التدقيق في نص هذه المادة أن المفاوضة جاءت أولى الوسائل السلمية الواجب إتباعها نظراً لأهميتها، والدور الذى لعبته فى العديد من القضايا التى حلت على المجتمع الدولي.

مفهوم التفاوض:
التفاوض : "عملية يتفاعل من خلالها طرفان أو أكثر، لديهم اعتقاد بوجود مصالح واهتمامات مشتركة ومتداخلة، وأن تحقيق أهدافهم وحصولهم على نتائج مرغوبة يتطلبان الاتصال فيما بينهم كوسيلة أكثر ملائمة لتضييق مساحة الاختلاف، وتوسيع منطقة الاشتراك بينهم، من خلال المناقشة والتضحية والحجة والإقناع والاعتراض، للتوصل إلى اتفاق مقبول للأطراف، بشأن موضوعات أو قضايا التفاوض"

الواقع المأساوي التي خلفته الأزمة السورية والتدخلات الإقليمية والدولية، حولت سوريا إلى حلبة لصراع المصالح وساحة للبازارات السياسية، فخيمت على كافة المناطق بسواد بؤسها، كانت الضحية في كل ذلك الشعب السوري.
كما أن التشتت في الصف الكوردي والخطاب السياسي الكوردي ساهم في زيادة مآسي الشعب الكوردي في كوردستان سوريا.
بالرغم من التوقيع على ثلاث اتفاقيات لترتيب البيت الكوردي وتوحيد خطابه، في اقليم كوردستان وبرعاية مشرفة من الرئيس مسعود بارزاني، إلا إنها لم تر النور، وجف حبر التوقيع عليها قبل الوصول إلى قامشلو، بسبب سياسية التفرد وعدم تقبل الآخر.

لكن مع المتغيرات المصيرية، والتقاء المصالح، فقد توجهت الأنظار إلى ضرورة توحيد الخطاب الكوردي السياسي في كوردستان سوريا، فكانت الرعاية الأمريكية لبدء مفاوضات كوردية- كوردية وبمباركة أوروبية.
أثمرت اللقاءات بين الأطراف السياسية والدولة الراعية عن انطلاق المفاوضات المباشرة، لتكون طاولة المفاوضات أولى خطوات توحيد الخطاب السياسي الكوردي التي توج بالإعلان عن نجاح المرحلة الأولى في بيان 16 حزيران 2020 الاعلان عن الوصول لرؤية سياسية مشتركة ملزمة لطرفي التفاوض والتفاهم، على اعتماد اتفاقية دهوك كأرضية لمفاوضات المرحلة الثانية، وتحقيق شراكة حقيقية ومتساوية في كافة المجالات.

المسؤولية التاريخية تفرض على طرفي التفاوض تغليب المصلحة القومية على المصالح الحزبية، والعمل الجاد من أجل تجاوز نقاط الخلاف وكل مسببات عدم تطبيق الاتفاقيات السابقة من أجل خلق أرضية مشتركة من التفاهمات، ومنطقة مشتركة بين مناطق الاختلاف بين طرفي التفاوض للبناء عليها .
الثقة والإرادة الحقيقة ستساهمان في إنارة الأنفاق المظلمة، وإزالة العوائق الداخلية والاقليمية وما أكثرها، للوصول إلى النور.
على المفاوضين أن يدركوا بأن الوصول إلى الاتفاق الشامل هو الذي سيحمي المصالح المشتركة العليا والحقوق القومية للشعب الكوردي.

التحضيرات مستمرة من أجل البدء بالجولة الثانية من المفاوضات الكوردية - الكوردية.
بالرغم من كل العوائق التي تحاول إعاقتها، إلا أن جدية الطرفين ومدى التزامهما بمسؤولياتهما كما جدية الدولة الراعية ستوجه بوصلة المفاوضات إلى اتفاق نهائي شامل، يعتمد على الرؤية السياسية المشتركة الملزمة والتي تتضمن الحل السياسي للأزمة السورية، وفق القرارات الدولية لا سيما القرار 2254، و إقامة علاقات جيدة مع كافة أطر المعارضة السورية المؤمنة بالديمقراطية وحقوق كل المكونات السورية.
كما سيساهم الاتفاق في تعزيز أصول العيش المشترك والكرامة الإنسانية لكافة المكونات .

إدراك الأطراف بمدى مصيرية المفاوضات نقطة في غاية الأهمية، عليها تقف مصير المناطق الكوردية في كوردستان سوريا.
الرغبة الحقيقية ستذلل العقبات باتجاه نجاح المفاوضات.
ليكون الاتفاق النهائي بمثابة المخرج الوحيد لحل القضية الكوردية في مرحلة الاستحقاقات، والعمل من أجل أن تتبنى امريكا مخرجات الاتفاق لدعم حقوق الشعب الكوردي وتثبيتها في الدستور السوري الجديد.
في ظل غياب الخيارات، لا خيار سوى الوصول إلى اتفاق شامل.
كل الآمال تتجه للإعلان عن اتفاق كوردي شامل، يحمي الحقوق والوجود والهوية.