لا نقبل بحدود يرسمه الفرات

لا نقبل بحدود يرسمه الفرات

لا نقبل بحدود يرسمه الفرات
علي مسلم
في سياق الحروب، أية حروب، ثمة مصطلحات سياسية أو جغرافية تظهر للعلن ، للدلالة على ما سيطرأ من متغيرات جيوسياسية جراء هذه الحروب، وغالباً ما تكون على هيئة فضاءات افتراضية مصحوبة بوابل إعلامي مكثف، حتى تتحول هذه المصطلحات في نهاية المطاف الى واقع يخدم مآرب الجهات التي واظبت على ضبط إيقاعها، وغالباً ما تتحول من مجرد أفكار تدور في الاذهان الى وقائع سياسية يصعب التغلب على تبعاتها لاحقاً، ولعل اسطع مثال على ذلك تلك الابواق الإعلامية التي رافقت ظهور مصطلح شرق الفرات، أو غربه، فهي في النهاية مصطلحات ذو دلالات جغرافية فوق سياسية طفت فجأة على السطح، بعد سنوات الحرب التي خاضها السوريون ضد نظام طاغ ، بالغ في صناعة الاستبداد ضد شعبه، وتفنن في تطويع إمكانيات الوطن لصالح قلة قليلة على مدى خمسة عقود، وإذا كان السوريون قد بدأوا الحرب ظناً منهم أن ذلك سيحقق لهم التغيير، لكن الذي حصل أن الرياح سارت بعكس ما تشتهيها سفنهم، وتسربت الحلول من بين أياديهم، فقد تحول السوريون بين ليلة وضحاها الى وقود لا ينضب لهذه الحرب المجنونة، وباتوا أدوات طيعة بين ايدي دول وجهات إقليمية ودولية يتحكمون اليوم بمصير الأرض والعرض، من غرب البلاد الى شرقه.

ومن الواضح أن تداعيات النزاع هذه سوف لن تتوقف عند هذه الحد، بل ستقود البلاد الى المزيد من التشظي والانفلات، بحيث يواجه كل جزء جزئه الآخر في مضمار هذا الصراع وفق جدلية الوحدة والصراع، وإذا أجيز لنا التمعن فيما آلت اليها الأمور على مستوى مجمل الجغرافيا السورية، سوف نجد ان كل محافظة سورية باتت مقسمة بين الموالاة والمعارضة، ناهيك عن انقسام مناطق المعارضة على نفسها، وهذا الامر بات واقعاً ينسحب على كل محافظات الشمال والشمال الشرقي التي خرجت من قبضة النظام بدءاً من ادلب غرباً ومروراً بمحافظة حلب في الوسط وانتهاء بالمحافظات الشرقية ( الرقة ودير الزور والحسكة) وهذا ما سيضفي المزيد من الصعوبة والتعقيد على مسارات الحل السياسي لاحقاً، فالنظام من جانبه استطاع عبر حلفائه الاقليمين والدوليين أن يزرع شوكة على كل درب وفي كل موقع، وبالتالي جر البلاد بقواه السياسية والعسكرية الى المزيد من التشتت والضياع.

ولعل الحلقة الأصعب في لعبة المصطلحات هذه، تلك التي خصت مناطق التواجد الكردي في شمال وشمال شرق البلاد، فنهر الفرات لم يكن في يوم من الأيام ساتر لرسم الحدود بين الكرد، بل كان وسيبقى صلة للوصل بينهم.