أعيادٌ بلا معايدات وبلا معاني

أعيادٌ بلا معايدات وبلا معاني

أعيادٌ بلا معايدات وبلا معاني
نوري بريمو
كل عيد وأنتم بخير وسلام...أعاده الله علينا وعليكم باليُمْنِ والبَرَكة والحمد لله على كل حال رغم رداءة الحيلة وسوء الأحوال، هذه العبارات التبريكية التي يرددها ملايين الآدميين في أيام الأعياد قد أضحت عبارة عن مجاملات وجاهية يجري تبادلها جزافا في سياق ممارسة عاداتنا التي توارثناها عن آبائنا وأجدادنا عبر الأزمان، بعد أن فقدت الأعياد السورية لغالبية معانيها الدينية والإنسانية والإجتماعية التي أمْسَتْ في خبر كان ورحلت عن دنيانا التي لطّختها هذه الحروب العبثية التي نجم عنها المنكوبية والتثكُّل بأعز الناس والتشرّد والهجرة عن الأوطان التي باتت تئنُّ بين مخالب تجار الحروب الرافعين لشعارات طائفية بغضاء.

فبعد أن كانت أعيادنا محطات دينية مقدّسة ودنيوية مفرحة ينتظرها الناس بفارغ الصبر وبقلوب ملؤها الأمل والتفاؤل بغدٍ أفضل في رحاب هذه الدنيا المنقلبة علينا، صارت شكلية ومزيفة بفعل مفاعيل إجرامية ساطية وتسعى لسلب بسمة الأعياد التي تحوَّلت إلى محطات مكلفة مادياً ومعنوياً بسبب لوعة الأهل على فقدان بناتهم وأبنائهم الذين يُضرَسون بالجملة بين رحى طواحين العنف والعنف المضاد ويتفرقون في بلدان متفرِّقة من هذا العالم الذي لا يرحم الضعفاء.

وبما أنّ معكرو صفوة الحياة في معظم بلداننا الشرق أوسطية (كسوريا وليبيا واليمن ولبنان ومثيلاتهم) والتي أضحت ساحات صراع مستباحة لكل مَنْ هبَّ ودبَّ مِنَ بقايا الأنظمة القمعية ومجاميع الإرهابيين وباقي منتهكي حقوق البشر ومهدري دماء الأبرياء..، قد استفردوا بمصير شعوبنا واستسهلوا إرادتنا واستلبوا رونق أعيادنا التي باتت ثقيلة الظلال والأعباء على ديارنا التي آلت بها الأحداث الدموية إلى حالة البؤس والشقاء والخراب والفجائع في هذا الراهن المحفوف بشتى المخاطر التي يمكن إدراجها في خانة الحاضر المرعب والمستقبل المجهول..، فإنّ يوم عيد الأضحى قد أضحى لا يختلف كثيراً عن الأيام العادية التي نعاني فيها من شتى صنوف الظلم في ظل غياب أي دور إيجابي لأية جهة دولية لجهة وضع حد لحالة الرعب والقتل والاستبداد على خلفيات سياسية وقومية ودينية وطائفية تجري في بلادنا المعرّضة للتلاشي والتقسيم لإبتلائها ببلاوي الصراعات الشعوبوية التي تحصد رؤوس الأبرياء بلا رحمة.

وليس من قبيل التشاؤم وإنما من باب البوح بمدى رداءة الأحوال، فرغم أنَّ اليأس يهيمن على بلداننا التي باتت بمعظمها مقاصل ومحارق جماعية لأهلها، إلا أنه لا يزال هنالك ثمة بريق من الأمل لدى بعض الناس في إمكانية السعي للإتيان بمستقبل أفضل، ولا يخلو الأمر من محاولة الأوساط الأهلية لخداع أنفسهم عبر التكابر على الجراح وتناسي الهموم والشجون والتمظهر بالاندماج المصطنع مع هذه الأعياد المكتظة بالحسرات وبآهات الأمهات الثكالى والنساء الأرامل والأطفال الأيتام، عساهم ولعلهم يستطيعوا أن يعيدوا قسطا من الفرحة لأطفالهم المنكوبين، وبذلك يمضي الوقت ويسرق أعمار الآدميين ويكرر التاريخ نفسه وتعود أعياد أخرى بلا معايدات وبلا أي ّمعنى وبكل ما لهذه الكلمة من معنى.