ستبقى عفرين لأهلها ولن تُفْسِدها الصفقات السياسية

ستبقى عفرين لأهلها ولن تُفْسِدها الصفقات السياسية

ستبقى عفرين لأهلها ولن تُفْسِدها الصفقات السياسية
نوري بريمو
قبل حوالي 100 عام كان قضاء عفرين (كُرداغ أو جبل الكُرد) يتبع إدارياً لقضاء كلس التركي، ولكنه أُلحِق فيما بعد بالدولة السورية التي تم استحداثها بموجب إتفاقية سايكس بيكو التي قسِّمَتْ ترِكة الإمبراطورية العثمانية التي تقهقرت وإنهارت وانحسر نفوذها في جغرافية الدولة التركية الحالية.

واليوم وبعد مرور 100 عام نجد بأنّ تركيا قد إستعادت قضاء كُرداغ لحضنها وهي تتباهى بأنها ضمّته إلى منطقة نفوذها الجغرافي وغيّرت إسمها إلى (ولاية غصن الزيتون) المؤلفة من ثلاثة أقضية هي عفرين و جنديرس و راجو.

ورغم أن هذه المنطقة الكُردستانية تخضع حالياً للعبة شد الحبل بين أنقرة وأتباعها من جهة ودمشق وأتباعها من جهة أخرى، فالأنقرَيون يحاولون فرض سيطرتهم وتثبيت حكمهم القرةقوشي عليها، وبالمقابل فإنّ الدمشقيون من ناحيتهم يرفعون شعارات المقاومة والتحرير على غرار ما فعله أسلافهم حيال هضبة الجولان ولواء إسكندرون وغيرهما، وما بين تسلُّط الأنقرَيين على عفرين بالقوة وبين زمجرة وهربجة الدمشقيين والتغني بتحريرها، قد تبقى هذه المنطقة غير مستقرة في الأمد القريب، لكنّ كلمة الفصل ستبقى لأهلها المتمسكون بالأرض رغم الصعاب وستعود الأمور إلى طبيعتها فالأرض ستؤول لأصحابها الحقيقيين ولن تُفْسِدها أي صفقة سياسية أو ديموغرافية، وذلك رغم وقوع الفأس في رأس عفرين التي خسرت خلال سنوات نكبتها هذه مئات الآلاف من بناتها وأبنائها بين شهداء ومُهَجّرين ولاجئين ومشرّدين ونازحين بالجملة على مركوب تلك الصفقة المشينة التي أبرمها نظام دمشق وأتباعه بالتنسيق مع تركيا وأتباعها للتخلّص من خطر كُردستانية عفرين.

وبهذا الخصوص الذي يخص حاضر ومستقبل أكثر من مليون كردي من أهالي عفرين فإنّ من حق الرأي العام العفريني أنْ يدين كل مَنْ خطط للصفقة وكل مَنْ نفذها وأنْ يتهمهم بجريمة التصافق الخياني كإحدى حلقات مسلسل إنحطاطاتهم وتخاذلاتهم وتنازلاتهم الجارية على قدم وساق.

وبما أنّ معظم الدلائل تشير إلى أنّ عفرين قد تم إلحاقها بشكل فعلي بجغرافية الدولة التركية على غرار ما حصل لنصف محافظة أدلب ولكامل مناطق إعزاز والباب وجرابلس وتل أبيض وسري كانية والحبل على الجرار، وبما أنّ هذا الواقع الجيوسياسي قد لا يتبدّل أبداً، وبما أنّ الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن وأنّ على الإنسان أنْ ينظر إلى الأمور كما هي عليه لا كمان كان يريد أن يراها هو بنفس الشكل والمضمون، فإنه ليس بوسع العفرينين الأصلاء سوى الإحتكام للغة العقل والوقائية والتمسك بالأرض وبحق عودة النازحين إلى ديارهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه على طريق توفير الأمن والإستقرار في الربوع وإخراج كافة الأغراب وفي مقدمتهم هذه الميليشات المسلحة من ديار الآباء والأجداد، وفي كل الأحوال فإنّ عودة عفرين لأهلها تبقى في عُهدة عفرينيو الداخل المتمسكون بأرضهم وبزيتونهم والمدافعون عن عرضهم وجبالهم ووديانهم وحتى عن مقابرهم، وذلك على مبدأ "أهل عفرين أدرى بشؤونها" وبمراعاة مصالحها وبتدبير أمورها وسوقها نحو الأفضل، وهنا تحضرني ذاكرتي بحكاية حدثت مع نابليون بونابرت: (بعد ان أكمل نابليون سيطرته على أوروبا قرر غزو روسيا أيضاً، وعند دخوله أطراف اﻷراضي الروسيه صادف بطريقه فلاحاً روسياً منحنياً وبيده منجله يحرث أرضه بنشاط ولا يعرف الملل والكلل ولم يُبد أي إهتمام بموكب نابليون، فقال نابليون لحراسه: ألا ترون هذا الفلاح الروسي الحقير لم ينظر إلى موكبي وفتيات أوروبا يخرجن من غرف نومهن شوقاً وترحيباً بمروري أمام منازلهن؟، فأوقف نابليون الموكب وأمر بإحضار الفلاح.. فجاؤوا به مكتّفاً، فسأله نابليون: لماذا لم توقف الحراثة وتنظر إلى موكبي؟، فردّ الفلاح: انا مالي ومال موكبك فأرضي أولى منك بإهتمامي، فقال نابليون: ألا تعرف من أنا؟ فقال الفلاح: لا يهمني أنْ أعرف من أنت؟، فقال نابليون: عليك أن تعرف أنا نابليون الذي سأحتل بلدك، فقال الفلاح أنت غازي حقير وأصغر من أن تحتل بلدي، فقال نابليون: يجب أن تحمل إسمي معك دائماً لكي تذكرني في كل وقت وأمر جنوده بأن يكتبوا إسم نابليون على ساعده فأحموا سيخاً من الحديد وكتبوا إسم نابليون على يده ليكون وشماً لا يستطيع نزعه مدى الحياة، فما كان من الفلاح الروسي إلا ان إنزعج وقام برفع منجله وضرب يده فبترها ورمى بها أرضاً أمام نابليون وسط ذهول جنوده وضباطه، قائلا: خذ إسمك معك فعار علي أن أحمل إسم غازي حقير مثلك على يدي، فنظر نابليون إلى مرافقيه وقال كلمته المشهوره: "من هنا ستبدأ هزيمتي" وكانت بالفعل هزيمته من روسيا)...، أما العبرة في هذه الحكاية فتكمن بأنه إذا كان أهالي عفرين متمسّكون بأرضه فهم بذلك يزرعون النصر لأنفسهم.. وللحديث بقية..