القيادة البارزانية: "مرونة في الشكل وصلابة في الجوهر"... الرئيس نيجيرفان بارزاني نموذجاً

القيادة البارزانية:

القيادة البارزانية: "مرونة في الشكل وصلابة في الجوهر"... الرئيس نيجيرفان بارزاني نموذجاً
نوري بريمو

إنّ قيادة إقليم كوردستان التي يقودها البارزانيون جيلاً بعد آخر، والتي خاضت ثورات تحررية وكفاحاً مسلحاً مريراً دفاعاً عن الكوردايتي طوال عقود زمنية كانت مكتظة بالحروب والتضحيات والقرابين، والتي إنتقلت فيما بعد من حالة الحرب إلى حالة السلم ومن الكفاح المسلح إلى الخيار السياسي، والتي تأقلمتْ مع الأوضاع الجديدة وتخوض حالياً أداءً دبلوماسياً موفقاً لأنّ من شأنه أن يضمن تثبيت فَدْرَلة الإقليم والحفاظ على خصوصيته ضمن العراق الفدرالي.

ولعلّ القيادة البارزانية بزعامة الرئيس مسعود بارزاني الذي يتحلى بمنتهى العقلانية والحكمة والذي يقود سفينة الكورد في أجزاء كوردستان الأربعة، قد باتت تتعدى بخطواتها النوعية ذلك المفهوم التقليدي للسلطة والإدارة وتتعامل مع كل الأحداث بمنتهى الحداثة وتواكب الحاضر وتخطط لتحصين الإنجازات المتحققة وتطويرها وفق منطق الرسم للمستقبل للمحافظة على الحاضر وترسيخ جذوره كي لا يسهل على المتربصين إقتلاعه ونسفه وإعادتنا إلى المربع الأول، وللعلم فإنّ هكذا خيارات عصرية إنْ دلّت على شئ إنما تدلُّ على مدى إستئناس هذه القيادة بحكمة "مرونة في الشكل وصلابة في الجوهر"، وعلى مدى تفهمها لإستراتيجيات الصناعة السلمية للمستقبل الذي من شأنه أن يوفر سبل حماية الحاضر ويمهد الطريق أمام جهود إستكمال مقوّمات اللحاق بركب المجتمع الدولي.

وإنّ أقل ما يمكن أن يُقال عن مثل هكذا أداء دبلوماسي واعدْ للقيادة البارزانية التي تحتكم لجادة صواب الحوار ولخيار الدمقرَطة السلمية وليس للنزاعات والعنف والعنف المضاد، هوأنه أداء سياسي مشرق وينير الدروب لأجيالنا القادمة ويستمد قوته من توجهات كوردايتية وقائية توارثوها من نهج القائد الوطني مصطفى البارزاني الخالد وتتناسب مع جوهر وشكل العلاقات الدولية العصرية وتعزّز علاقات حسن الجوار، لأنّ السياسة بحد ذاتها هي فن توسيع دائرة الأصدقاء وتضييق دائرة الأعداء.

ولعلّ الشاهد الأكثر دلالة على أنّ القيادة البارزانية تؤدي دبلوماسية صائبة وتجد وقعها لدى الآخرين وتخطو خطوات إنفراجية وترفض الإنغلاق على الذات وتنحى نحو الإنفتاح على الآخرين، هو دعوة الرئيس الفرنسي لرئيس الإقليم بلقائه في بغداد، وهذا يعني أنّ القيادة البارزانية تحظى بمصداقية في الأوساط الدولية التي يبدو أنها ترحّب بالأداء الإيجابي لهذه القيادة وبقدرتها على التعامل المرن مع بغداد ومع المستجدات العالمية وعلى مدى المشاركة في المحافل الدولية التي باتت تشهد حضورا كردياً يزداد ألقاً وينال رضى المجتمع الدولي وخاصة الحلفاء الذين تتوسع دائرة تعدادهم شيئاً فشيئاً ويزداد إهتمامهم بالقضية الكردية بفضل الزيارات المتكررة التي يقوم بها المسؤولون الكُرد إلى دول الجوار العراقي ومحيطه العربي ومعظم البلدان الأوربية وأمريكا وغيرها.

وفي سياق هذه الدبلوماسية الناجحة والتي تستحق التقدير والإحترام والتي باتت في دائرة الضوء، تندرج الجولات الرسمية المكوكية التي قام بها رئيس إقليم كوردستان السيد نيجيرفان بارزاني في غضون هذا الأسبوع للرئيس الفرنسي ماكرون وللرئيس التركي أردوغان ولرئيس الوزراء العراقي الكاظمي، حيث يكتسب هذا التحرك أهمية بالغة لأنه يهدف إلى تعزيز لغة الحوار وتحسين علاقات الجوار وتوسيع دائرة الأصدقاء وتعريف الرأي العام العالمي بعدالة القضية الكوردية وبعمق وثبات الخيار الكوردستاني تجاه الحق والعدل والسلام الدولي، حتى أضحى إقليم كوردستان مأوى لكل الكوردستانيين ولكل أخيار العراق وطرفاً حاضراً في مختلف الأوساط المحلية والإقليمية والدولية، وبات يتبوأ مكانة لا بأس بها ويحظى باحترام وتقدير جميع مناصري السلام والديمقراطية وحقوق الأمم والشعوب.

وإن جاز لنا التعبير وأعطينا الحق لأنفسنا بتوصيف واقع حال إقليم كوردستان بالإيجابي رغم مختلف الصعاب والعراقيل، يمكننا القول بأن هذا الإقليم الفدرالي، قد بات ينتمي في هذا الراهن العالمي إلى دوائر أخرى في الأسرة الدولية، وتربطه بكل دائرة منها روابط نوعية ووشائج قوية منسوجة على شكل علاقات علنية ومكاشفاتية رحبة، وللعلم فإنّ هذه العلاقات النوعية تأتي كثمرة طبيعية لهذه الدبلوماسية الموفقة التي تنتهجها القيادة البارزانية والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تطوير الإقليم شكلا ومضموناً وتحويله من مجرّد رقعة إقليمية منعزلة إلى فسحة دولية واسعة يلتقي فيها أخيار العالم حول مختلف المسائل المتعلقة بالسياسة والإقتصاد وحوار الحضارات وعلاقات حسن الجوار وتعزيز السلم الأهلي والعالمي.