ثمن الحرب

ثمن الحرب

ثمن الحرب
علي مسلم
كيف يمكن أن نشن حرباً على الإرهاب، فيما الحرب بحد ذاتها إرهاب بإرهاب؟
بهذا يمكن تلخيص جدلية الحرب بعمامتها الشريرة، فكما لا توجد جراح بلا دماء، لا توجد حروب دون ويلات ودون كوارث.

ففي الماضي، في عصر الامبراطوريات الغابرة، كانوا يتصالحون مع ذواتهم عبر شنّ الحروب، وكانت الحروب حدثاً لابد منه في سبيل توسيع رقعة النفوذ، ولم يكن من أهمية فيمن كان يدفع الثمن، وكانت الحروب تقود عاجلاً او آجلاً، إما الى نصر حاسم، أو الى هزيمة واندحار، وذلك في ظل غياب الشرائع، وسطوة الأقوياء، وبداية ترسيم حدود الامبراطوريات وإعلان السيادة.

وكانت الحروب وقتها تعدُّ إحدى القنوات الرئيسة، وربما الوحيدة التي تظل عبرها المجتمعات الإنسانية الطموحة على صلة بالواقع الخارجي، هذا كان في الماضي، أما الآن لم تعد الحروب تحسم أي صراع، مهما طال أمد الصراع، سيما الحروب الأهلية، هذه الحروب التي يخوضها الصغار نيابة عن الكبار في أحسن الأحوال، وتدار عن بعد عبر قوى عملاقة معلومة الهوية غالباً، دون أن يدفع هؤلاء الكبار بذويهم الى أتون الحروب، فثمة من بإمكانه أن يخوض حرباً في بلاد ليس بلاده عبر شركات تدير جيوش من المرتزقة ، هؤلاء الذين بإمكانهم أن يخوضوا غمار الحرب دون غاية، سوى أنهم يقبضون المال، لهذا كان حرياً بالمجتمعات النائية التوجه نحو الاكتفاء الذاتي والانكماش والحفاظ على نفسها، بدل خوض الحروب على ذاتها تحت أي مُسمّى كان، فما الحرب بالنسبة لهذه الدول سوى أداة لتهديم المقدرات، وتحول دون الوصول الى مستوى معيشي لائق، فالمجتمعات غير الكفؤة تقود رعاياها الى اتون الحروب حتى تحجب عيوبها عن مواطنيها، وبالتالي تداري فشلها عبر شن الحروب، وبناء على ذلك لن تتوانى بعقليتها المتسلطة في السير قدماً ودون هوادة نحو تسعير الحروب هنا أو هناك، حتى تتحاشى قدراً ولو ضئيلاً من الانصياع لرغبات الجموع الثائرة، التي باتت تبحث عن مكان لها في مشوار هذي الحياة.

لهذا حريُّ بنا أن نقر وذلك من موقعنا المتداعي، بأن تحقيق النصر الحاسم عبر شن الحروب بات ضرباً من المستحيل، سواء في الحروب الصغيرة التي تدار بين المجتمعات المحلية، أو الحروب الكبيرة التي قد تنشب بين الدول المقتدرة، ولا يمكن في أي حال من الأحوال التغلب على الفشل عبر شن الحروب، فصدق من قال إن أجمل ما في الحرب حين تعلن نهايتها.