ماذا يفعل العمال الكوردستاني في إقليم كوردستان؟

ماذا يفعل العمال الكوردستاني في إقليم كوردستان؟

ماذا يفعل العمال الكوردستاني في إقليم كوردستان؟
عمر كوجري
الملثم في العرف السياسي وواقع الوضع الحالي، ليس ذلك الشخص الذي ينتمي لأسلاف الطوارق الذين أسسوا مملكة «أودغست» الإسلامية، وكذلك دولة المرابطين، الذين للآن وربما للحرارة العالية في الصحراء يلثمون وجوههم درءاً من لهيب الحر.

الملثمون الحاليون هم عادة أشخاص ينتمون إلى ثقافة الإخفاء والتخفي وغياب الوجوه، لا يريدون أن يتعرّف على وجوههم أحد، ودائماً بأيدي هؤلاء الأسلحة أو المديات الطويلة الحادة التي تُجْهِز على الشخص الذي بين أيديهم أمام كاميرات التلفزيون، وقد اشتهر تنظيم داعش الإرهابي بلقطاته السينمائية المتقنة، وكان القتلة على الدوام ملثمين، يخفون وجوههم القبيحة عن المشاهد.

يبدو أن ظاهرة الملثمين والتلثيم تتشكل في إقليم كوردستان بشكل واضح، لكن، هؤلاء الملثمون ليسوا من نمور التاميل ولا داعش ولا الجيش الأحمر الياباني، بل تشكيلة غريبة عجيبة من الكورد والعرب والتركمان وسواهم عرّفت عن نفسها بأنها من "قوات الحماية الجوهرية لجنوب كوردستان"، وقرأنا في وسائل الإعلام التابعة لحزب العمال الكوردستاني قبل أيام مقطع فيديو يعرض عدداً محدوداً من الملثمين، حيث أن المكان جبل قنديل، تلا هؤلاء خطاباتهم بالكوردية والعربية، وهذه القوة موجودة بالاسم ذاته في "كوردستان سوريا" أيضاً أو كما يُسمّي حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" شمال شرق سوريا!.

هؤلاء توعّدوا، وهدّدوا بمهاجمة أهداف تركية، وبحسب ما ورد في بيانهم، فإنهم قاموا بإنشاء "جيش من كل المحافظات العراقية ومن شمال كوردستان، ولقد تجمعنا اليوم للتأكيد على أن هنالك شباباً يدافعون عن وطنهم".

الأخطر من ذلك هو أن هؤلاء طالبوا "كل شباب العراق من الشمال إلى الجنوب أن ينضموا إليهم للدفاع عن الشعب والوطن"!.

كما هو واضح، فإن هوية الملثمين لا تحتاج طول تفحُّص وتمحيص، الجهة الداعمة الراسمة لهم هي حزب العمال الكوردستاني بدليل احتفاء إعلامه بها، والمكان هو تواجد مسلّحي الكوردستاني وتحت رعايته.

بطبيعة الحال، يراد من نشر هذه القوات وفي أرض إقليم كوردستان عدة رسائل، منها ما هو واضح وجلي، ومنها ما هو مخفي ستظهره قادمات الأيام، لماذا يعلن هؤلاء المخفيون عن أنفسهم في أرض كوردستان؟، وكلّ الدلائل تشيرُ إلى أن الإقليمَ بدأ يتعافى، وينجح في الكثير من الملفات التي طوّقت حياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بُعيد الحرب الإقليمية والدولية عليه في الاستفتاء على استقلال كوردستان العام 2017، فالرئاسات الثلاث قد وجدت الطريق للتحقق والنجاح بعد طول عسر، وتحدّت القيادة الكوردستانية كل المصاعب، والأمور بدأت تعكس إيجاباً على وضع جميع الكوردستانيين. فإذا كان على هؤلاء الملثمين أن يقوموا بأي أعمال، فلماذا يختارون كوردستان منطلقاً لتهديد دول الجوار وجعل كوردستان ساحة لحسم الصراعات على حساب أمن واستقرار الإقليم.

يعلم العمال الكوردستاني أن الحكومة التركية تختلق شتى الذرائع لضرب كوردستان وإلحاق الأذية بها، ولا يمرُّ أسبوع حتى تنتهك هذه القوات أراضي وقرى كوردستان الحدودية بذريعة تعقُّب قوات الكوردستاني، وتلحق الضرر بالناس الآمنين القريبين من الحدود، رغم أن حكومة كوردستان دعت مرات عديدة قيادة "قنديل" إلى مغادرة جبال قنديل ومغادرة شنكال لسد الذرائع بيد الحكومة التركية، ويبقى الهدف الرئيسي هو ضرب الاستقرار في كوردستان، وبهذا التوقيت بالتحديد.

حزب العمال كان يبثُّ بيانه هذا داخل الأراضي التركية وكوردستان تركيا، لكن الغاية واضحة، وهذه مؤامرة على مكتسبات شعب كوردستان، وإلا فمن حقنا أن نقول إن قيادات قنديل ليست ملكة نفسها، وهي تنفذ أجندات دول إقليمية لها المصلحة في زعزعة الأوضاع في كوردستان، وهي المستفيدة من ذلك، كالنظام الإيراني، وحتى تركيا، والنظام في دمشق، وبعض الأوساط السياسية في بغداد، بمعنى أن الكوردستاني بهذا الأسلوب يعبّر عن حاله كلعبة بأيدي الاستخبارات الإقليمية.

إن الإحساس الجدّي بخطورة إعلان مثل هذه القوات، حدا بوزارة البيشمركة الكوردستانية إلى تحذير العمال بأن "أي يد تمتد إلى تجربة إقليم كـوردستان، ستتصدى لها حكومة الإقليم وقوات البيشمركة، ولن نسمح بأي شكل من أشكال النشاط المسلح داخل أراضي الإقليم".

بكلّ حال، من حقِّ حكومة إقليم كوردستان التصدّي ومواجهة هذه "القوة الغاشمة" بكلّ الوسائل المتاحة، وهذا ربما سيؤخر طموح الحكومة في تنفيذ برامجها الاقتصادية والتنموية والاجتماعية كما حصل إبان هجوم تنظيم داعش على كوردستان العام 2014، ودفع الشعب وقتها وحتى الآن دماء أكثر من ثلاثة آلاف من البيشمركة الكوردية، وجرح أكثر من عشرة آلاف شاب، إضافة لتأخير تنفيذ آلاف المشاريع الهامة، وهجرة عشرات الشركات العالمية العاملة في كوردستان.

إذا كان الكوردستاني بحقٍّ يحمل هذا الاسم ومدلوله الأسمى، فعليه أن يسارع إلى الاعتذار من الإقدام على هذا التصرّف الأرعن، والإعلان عن حل هذه الميلشيات المُلثّمة، ويعرض مساعدته على حكومة إقليم كوردستان لأجل شعب كوردستان، وإلا فمن حق أي كوردي أن يقرن اسم الكوردستاني باسم داعش، لأنه في هذه الحالة كلاهما ساهما في هدر دماء الشباب الكوردستاني بلا أي سبب أو مبرر.