شاهين أحمد: شعوب إيران وأربعون عاماً من ظلم الملالي
الموالون لنظام الملالي في إيران يحتفلون هذه الأيام بذكرى مرور 40 عاماً على "ثورتهم" الإسلامية التي أوصلت آيات الله إلى الحكم. هذه (الثورة) التي شارك فيها مختلف مكونات الشعب الإيراني وقواه السياسية والمجتمعية من مختلف الألوان من ليبرالية وعلمانية ويسارية وقومية ودينية وكل من تأمل خيراً في التغيير والتخلص من نظام حكم عائلة "بهلوي" هذه الثورة التي بدأت شعبية جامعة، مالبثت أن انحرفت عن مسارها، وتحوّلت إلى مذهبية سياسية عنصرية وذلك بعد سيطرة رجال الدين المتشددين على مفاصلها.ففي الأول من فبراير 1979 وصل الخميني – زعيم الثورة وملهمها - من منفاه الباريسي، حيث استقبل من قبل الملايين في المطار، هذه الملايين التي توسمت خيراً بطي حقبة الشاه، وفتح صفحة جديدة مختلفة لخلاص الشعب الإيراني بمختلف مكوناته وشرائحه من الفقر والظلم والحرمان. وكانت لتلك الشعارات التضليلية البراقة التي رفعتها "آيات الله" والوعود المعسولة التي قطعتها للشعب في مرحلة التحضير والتأسيس للتغير المنشود والتي كانت جلها الشعارات تتلخص حول نصرة المظلومين وإنصافهم، وتحقيق العدالة الاجتماعية ومنح الحريات ومحاربة الفساد وتوفير فرص العمل، وفسح المجال أمام الشعب للتعبير عن رأيه، وإنصاف المكونات في حقوقها، الأثر البالغ، والدور الكبير في استمالة الشعب واستقطابه واستخدامه.
باختصار استطاعت "رجالات الدين" من تكوين منظومة متكاملة ومدروسة من الشعارات التضليلية البراقة لدغدغة مشاعر البسطاء في الشارع الشعبي المتعطش للحريات الديمقراطية، ونجحت آيات الله في العبور على جسر المشاعر النبيلة للبسطاء، وتمكنت من الوصول إلى السلطة. هذه الشعارات حولت الملايين من الشعوب الإيرانية إلى سيولٍ جارفةٍ لايمكن لأية قوة أن تصدها أوتوقفها، ونجحت في التغيير وإزاحة عائلة "بهلوي" عن الحكم. ولكن هيهات، فالتجارب التاريخية كلها تؤكد بأن العواطف والأمنيات لاتكفي لتحقيق الطموحات الكبيرة.
وبكل تأكيد أن أسباباً كثيرة وعوامل داخلية وأخرى خارجية ساعدت الملالي في القيام بإنقلابهم، من بينها أوضاع إيران ماقبل الثورة من ظلم اجتماعي، وغياب للحريات، ونكران لحقوق المكونات القومية، وفي مقدمتها حقوق شعبنا في الجزء الكوردستاني الملحق بإيران، هي التي مهدت الطريق لرجال الدين لاستغلال تلك المشاكل، والاستثمار فيها، والدخول من خلالها إلى قلوب ملايين البسطاء. ومن الأهمية بمكان هنا أن نشير إلى نقطة في غاية الأهمية وهي أن الدعم الغربي بشكل عام والأمريكي بصورة خاصة – وخوفهم من المد الشيوعي والحد من نفوذ الاتحاد السوفيتي - يأتي في مقدمة العوامل التي ساعدت "الملالي" في تأسيس جمهوريتهم الإسلامية وترسيخ سلطتهم وإقامة حكم الولي الفقيه. لكن الأيام أثبتت بأن هؤلاء - رجالات الدين – كانوا مشروعاً سياسياً بلبوس ديني قائم على أساس نظرية ولاية الفقيه (أوالحكومة الإسلامية) والإمام الغائب (المهدي المنتظر) وسرعان ماكشفوا عن حقيقتهم الظالمة من خلال قيامهم بشن حملات التصفية والإعدامات الميدانية بحق العديد من القيادات التي شاركت في الثورة، ومنعوا المظاهرات السلمية والأحزاب السياسية من العمل، وشنوا حملات عسكرية وحشية على مختلف المدن والولايات الإيرانية وخاصة مقاطعات كوردستان إيران لملاحقة النشطاء ومنتسبي الأحزاب.
في الجانب العقائدي عملوا على تقديس رجالات الدين من الدائرة الحاكمة، وفرضوا العمل وفق منطق "من يخالفنا فهو يخالف الله" وبالتالي فهو كافر، والكافر مصيره الإعدام بدون محاكمة، ولهذا النظام سجل أسود في مجال التعامل مع معارضيه، حيث قامت أجهزته الأمنية بتنفيذ الكثير من عمليات الإغتيال بحق المعارضين من أهمها اغتيال المناضل الدکتور"عبدالرحمن قاسملو" الأمين العام للحزب الديموقراطي الكوردستاني – إيران في 13 كانون الثاني 1989 في العاصمة النمساوية "فيينا" وكذلك إغتيال الدكتور "صادق شرف كُندي" الذي أنتخب أميناً عاماً للحزب الديمقراطي الكوردستاني – إيران خَلَفاً للدكتور "قاسملو " وذلك في 17/9/1992 في برلين. ووصل الشعب الإيراني المظلوم إلى درجة لم يعد يستطيع التميز بين الأحكام والقرارات التي يصدرها الحاكم السياسي المعمم"الولي الفقيه" وبين الأحكام الدينية الواردة في المراجع الدينية الأساسية من قرآن وسنة. وبعد الانتهاء من إحكام قبضتهم على الداخل الإيراني، توجّه النظام نحو الخارج من خلال نظرية "تصدير الثورة"ونجح في تسويق مشروعه السياسي المسموم في العديد من دول المنطقة وشمال إفريقيا، كما أنه تمكن من الدخول في النسيج المجتمعي للكثير من البلدان من خلال اللعب على وتر الأقليات المذهبية لكسب ولائها، ومن ثم دعمها وتحويلها إلى أذرع وأدوات لمشروعه السياسي المذهبي، وخلق بيئة مناسبة للقلاقل والتوترات في هذه البلدان، ومانراه في لبنان وسوريا واليمن والعراق...الخ تأتي في هذا المجال.
والشعب الإيراني بمختلف مكوناته يعتبر المتضرر الأول من سياسات هذا النظام، وبات يعاني اليوم الفقر والجوع والحرمان بالرغم من إمتلاك بلاده مخزون هائل من أهم وأغلى الثروات الباطنية من نفط وغاز ....الخ وانطلق للتعبير عن رفضه لهذا النظام من خلال المظاهرات العارمة التي عمت مختلف المدن الإيرانية.
نستطيع القول بأن شعوب المنطقة وقواها السياسية وصلت إلى قناعة تامة بأن النظام الإيراني لم يتحول إلى عدو لقضايا السلم والتحرر فحسب، بل أصبح يهدد أمن بلدانها وسلمها الأهلي أيضاً، وسبباً في قتل الآلاف من أبنائها من خلال عشرات الميليشيات التابعة لفيلق القدس. ولكن يبدو أن إيران اليوم وبعد مرور 40 عاماً على ثورة ملاليها، تشهد بداية النهاية لنظامها بالرغم من تمددها الجغرافي والسياسي في أكثر من بلد، وهي باتت تعاني من العزلة والحصار، وهناك تحرك جدي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، لبناء تحالف دولي واسع لمحاصرتها اقتصادياً وعزلها سياسياً، وطردها من مساحات جغرافية عديدة. ولكن سيبقى نظام الملالي الإيراني متمسكاً بكرسي الحكم بالرغم من تلك الضغوط والعقوبات، وسيتأقلم مع الأوضاع الجديدة على حساب آلام الشعب الإيراني، وخاصةً أنه يمتلك قوة عسكرية لا يستهان بها.
في الختام هل ستدفع المصالح، وكذلك الشعور الحقيقي بالخطر الداهم والمواجهة الحتمية، الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها إلى القيام بتحرك مدروس، لإيقاف نظام الملالي من التمدد، وإقامة تحالف لمحاصرة إيران اقتصاديا وعزلها سياسياً ومساعدة المعارضة الإيرانية في توحيدها في إطار جامع لكل المكونات الإيرانية وتقديم الدعم لها لقيادة الشعب نحو التغيير والقضاء على نظام الملالي وإزالة جميع مرتكزاته الأمنية والفكرية والعقائدية وإقامة البديل الديمقراطي الإتحادي لكل الإيرانيين؟