سوريا: عامٌ جديدْ وبلاوي جديدة
سوريا: عامٌ جديدْ وبلاوي جديدة
نوري بريمو
بعض السوريين يسمّون عام٢٠٢٠م بعام "الكورونا والمورونا" لشدة وطأته عليهم، ويتطلعون إلى عامٍ جديد أفضل من الأعوام السابقة رغم إستشراء هاتين البَلْوَتَينْ القاتلتين، وإذا كانت كورونا العالمية هي جائحة لعينة يكاد علاجها عصيّاً على علماء العالم، فإنّ مورونا السورية هي الثورة التي تحوّلت إلى أزمة مستعصية يكاد حلها مستحيلاً على سياسيو العالم، جرّاء حميّة التدخلات الخارجية وإستقدام المجاميع المسلحة السنية والشيعية، وهيمنة العنف الطائفي والثأرات التاريخية وإفتقار طرفي الصراع الرئيسيّين إلى أي مشروع وطني سوري (فالنظام مشروعه فارسي و المعارضة مشروعها عثماني) وكلاهما يعطلان الجهود الدولية لإيجاد الحل السياسي كإيقاف إطلاق النار وعرقلة المفاوضات وتعطيل اللجنة الدستورية و...إلخ، بالترافق مع إستمرار المؤامرات الخارجية (لعبة كسب الوقت الإقليمية وماراثون شد الحبل الدولي) الجارية على قدم وساق في الحلبة السورية التي باتت على حافة الهاوية لكونها ممجوجة بمختلف الأطماع والمجاهيل والإستهدافات التي أبرزها هو السعي لتعكير الأجواء تمهيداً لتقاسم الكعكة بين دول الجوار وإيران وبمعية أمريكا وروسيا.
فإيران التي هي صاحبة مشروع الهلال الشيعي والمهيمنة على الأرض السورية واللبنانية منذ الثمانينات من القرن الماضي تطمع الآن بالإستحواز الكامل على الطريق البري الواصل بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت، وتركيا التي هي صاحبة المشروع العثماني تريد إستكمال مشوار ضم الشمال السوري بأكمله إبتداءً من بلدة كسب الساحلة العلوية وحتى منطقة الجزيرة الكردستانية، والإثنتين (إيران وتركيا) تختلفان في كل الأمور والقضايا ولكنهما تتفقان وتخططان لإنهاء القضية الكوردية في كورستان سوريا، وروسيا المتمركزة في الساحل العلوي والتي تدّعي بأنها دولة ضامنة والتي كانت وستبقى تلعب أدواراً مريبة تطمع من وراءها الهيمنة على كامل الجغرافيا السورية، أما أمريكا وتحالفها الغربي فلا يهمهم سوى توفير أمن وسلامة إسرائيل وقطع الطريق على إيران وإنهاء نفوذها في سوريا ومواصلة حملة مكافحة داعش وأخواتها عبر إستخدام مسلحي حزب (ب ي د) في أعماق براري الصحراء السورية التي لا ناقة للكرد فيها ولا جمل والتي لن تجلب لهم سوى مزيداً من العداوات مع المحيط العربي السني.
وبالنسبة للجانب الكردي في كردستان سوريا فيمكن إعتباره الطرف الأكثر خسارةً وضراراً في هذه المعمعة السورية الناشبة، في ظل تسلّط وحاكمية أتباع حزب العمال (ب ك ك) وإستفرادهم المطلق بقرارَي الحرب والسلم، وتعاملهم مع الدول الغاصبة لكردستان وتورّطهم في نفيذ صفقات إقليمية تهدف إلى تفتيت المناطق الكردية أرضاً وشعباً، وضمها لتركيا بموجب إتفاقية سوتشي السيئة الصيت والتي تم إبرامها بين (إيران وتركيا وروسيا) كصفقة عفرين وسري كانية وتل أبيض وعين عيسى والحبل على الجرار.
ورغم تعاقب الأعوام ورغم مرور عشرة سنوات على الأزمة السورية التي ينبغي أن يندى لها جبين البشرية وأن يتدخل المجتمع الدولي لإيجاد مخرج عاجل لها، إلاّ أنها أضحت تتعقد وتتحوّل يوماً بعد آخر من سيّئ إلى أسوأ، في ظل إستمرار مختلف المآسي والكوارث ونشوب الحروب التي أودت بحياة قرابة مليون سوري وتسبّبت بتهجير ملايين اللاجئين إلى دول الجوار وأوربا وتشريد ملايين أخرى من النازحين إلى مئات المخيمات داخل سوريا التي باتت بحد ذاتها مخيّماً كبيراً مكتظاً بجموع الأيتام والأرامل والحفاة والعراة والجياع والتي تحولت من دولة ذات كيان ومدن وبلدات إلى مجرّد مخيّمات مترامية ومزدحمة بالسكان بالمقارنة مع مدنهم وبلداتهم وقراهم الأصلية التي تركوها وراءهم قسراً و التي أضحت خالية من أهلها ومهدّمة ومهجورة ويستحيل إعادة إعمارها شكلاً ومضموناً.
وأخيراً وليس آخراً ومع قدوم العام الجديد 2021م، ليس بوسعنا سوى القول بأنّ "مورونا السوريين" هي أشد هولاً عليهم من "كورونا العالم" أجمعين لأنّ البلاوي لا تزال تتحّدف على كافة المكوّنات السورية بالجملة والمفرّق، وبما أنّ اللوحة السورية بما فيها الكردية ماتزال تبدو قاتمة للغاية، فإنّ التشاؤم أضحى سيد الموقف مع الأسف الشديد، وبالمحصِّلة فإنّ لسان حال الشارع السوري يدعو إلى إيجاد حل سياسي شامل ينهي هذه الأزمة العالقة ويعيد الحقوق لأصحابها ويوفر الأمن والإستقرار والإعمار ويضمن عودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم.