الكورد والحياة الكريمة

 الكورد والحياة الكريمة

الكورد والحياة الكريمة
عزالدين ملا
الكورد من الشعوب الأصيلة في المنطقة، وهم موجودون على هذه الأرض التي تسمى كوردستان منذ آلاف السنين، وأولى الحضارات التي كشفت آثارها تعود إلى أجدادهم الأوائل، وأنَّ ما يحدث بين الكورد من صراعات ليست وليدة اليوم بل نتيجة تراكمات لسنوات طويلة تعود إلى فترات متلاحقة، بدأت منذ انهيار الإمبراطورية الميدية وكان اختفاؤها نتيجة تآمر بين الإخوة داخل العائلة الحاكمة واستنجادهم بالأعداء، الذين تدخلوا لمساعدة أحد الأطراف ومن ثم السيطرة والقضاء على الإمبراطورية، واستمرت الحال، والصراع بين الكورد لم يتوقف، وخلال الصراع بين الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الرومانية كان الكورد هم السور أو بمثابة اليد التي يضرب بعضهم البعض، حيث كانت مناطق تواجد الكورد حدوداً متداخلة بين الإمبراطوريتين، كـ العصا يستعمله كل طرف فيقوم برفعه وتوجيهه نحو الآخر، وأثناء الصراع بين الصفويين والعثمانيين كانت جيوش الطرفين مكونة من ابناء الكورد، قتل شباب الكورد في حروب وثورات لا ناقة لهم ولا جمل فقط نتيجة صراعات بين الآخرين، بعدها تم ترسيم الحدود بين الدولتين على حساب الكورد وكانت بداية تقسيم كوردستان.

والمؤامرة الكبرى التي تعرض لها الكورد عندما انقسمت أرض كوردستان إلى أربعة أجزاء بين أربع دول بإتفاقية مشؤومة، اتفاقية لوزان، وعرَّابا هذه المؤامرة هما فرنسا وبريطانيا.

وهنا، وإن أمعنَّا التفكير والتعميق في البحث والدراسة يجب ربط هذه الصراعات بالسياسة، وذلك عندما قامت بريطانيا وفرنسا ومن خلفهما الولايات المتحدة الأمريكية بتقسيم المنطقة لم يكن عن عبث، بل كان عن دراية ودراسة عميقة، تمت في غرف مظلمة -وهذه السلسلة المظلمة كانت وليدة حسابات أيادي خفية الموغلة في التاريخ- وخاصة في ما يتعلق بالقومية الكوردية والتي كانت تشكل ثالث قومية كبيرة على مستوى الشرق الأوسط بعد القومية العربية والفارسية، وعندما تمَ تقسيم القومية الكوردية بين أربع أو خمس دول كانت لإعتبارات بعيدة المدى لدى هذه الدول.

وعند إلحاق كل جزء من أجزاء كوردستان الأربعة بدولة غاصبة، يختلف إيديولوجيته وسياسته وتحالفاته واتفاقياته، هذا الذي جعل الصراع يحتدم بين الكورد كلما احتدم الصراع بين هذه الدول الأربع، تركيا، إيران، سوريا، العراق، هذا الصراع الذي بدأ آنذاك ومازال مستمرَّاً حتى الآن.
بدأ التفكير بتوزيع القومية الكوردية عندما وصلوا إلى قناعة أن الإنسان الكوردي لن يتخلّى عن عناده وحِدَّة طبعه، وأيضا عاطفته التي يتم إستغلالها من قبل أعدائه في كل شاردة وواردة، وأيضاً عدم قدرتهم من تسيير الكورد حسب رغباتهم، فالكوردي متمسك بالمبادئ والقيم الإنسانية النبيلة.
لم ولن ينسى الغربي ما فعله القائد الكوردي صلاح الدين الأيوبي وما فعله من تقوية عماد الدول الإسلامية وحطم كافة مخططات الغرب آنذاك وتأسيس دولة مترامية الأطراف وطرد الصليبيين من القدس، الغرب متخوفون من هذا التفكير الكوردي المبدئي إتجاه تفضيل العدل والتسامح أو بالأحرى عاطفته السمحة على قوميته، وتطبيقه لتعاليم هذا الدين الذي يقوي أركانه على الديمقراطية والإعتدال والمساواة، وهذا ما لا يقبله الغرب من وجود دولة إسلامية - ذي عقلية معتدلة- قوية مترامية الأطراف، التي بذلك تقوّض مخططاتهم ومشاريعهم ومصالحهم في المنطقة.
والنقطة الأخرى، هو أن الغرب يعملون على إيجاد دول ضعيفة مخلخلة من الداخل يسهل تسييرها حسب رغباتها ونهب خيرات شعوبها.
وعندما تم توزيع الكورد بين تلك الدول ليبقي هامش من الخلل، لتكون ورقة ضغط عند الطلب، وتخويف تلك الحكومات بهذه الورقة الكوردية بعد أن غرس في عقولهم الديكتاتورية إتجاه شعوبهم والشوفينية والعنصرية إتجاه الشعب الكوردي.
استمر على هذه الحال، غابت الديمقراطية والحرية عن كافة شعوب المنطقة من العرب والترك والفرس، أما الكورد فبالإضافة إلى غياب الحرية والديمقراطية زادها الممارسات الإضطهادية والشوفينية، وما حصل أن شعوب المنطقة كانوا يبحثون عن هامش الحرية المدنية والديمقراطية، فقامت تلك الحكومات وبمساعدة الغرب بغرس العقلية العنصرية بين شعوب المنطقة والكورد، وتوهيمهم أن أسباب جميع مشكلاتهم هم الكورد ووهم النزعة الانفصالية.

لذلك اقتادت الحكومات الديكتاتورية على الصراع بين شعوب المنطقة والشعب الكوردي وتوسيع هوة الحقد والكره بينهم.
وما يحصل الآن في المنطقة نتيجة أفعال الغرب وبمساعدة حكومات المنطقة، هذه الحكومات كانوا ومازالوا مقاولين وشركات ربحية ينفذون مصالح الغرب.

لذلك على شعوب المنطقة معرفة حكامهم قبل أن يطالبوا بالتغيير، فتغيير الظروف والمناخات لصالح الشعوب يبدأ من الفرد نفسه، وهذا ينطبق على الكوردي أيضا، يجب أن يدرك أن صراعه مع أخيه الكوردي ليس سوى أفكار غرسها الأعداء في عقولهم، وتوهيمهم بإيديولوجيات مقيتة ليس للكورد فيها سوى الخراب والدمار، وما على الكوردي غير أن يتناغم مع حاله، وترك ما هو عفن من الأفكار، بذلك نوحد الصفوف ونقوي أواصر اللحمة القومية والوطنية بين أبناء الشعب الكوردي الواحد ومن ثم مع كافة مكونات المنطقة، للعيش حياة كريمة ملؤها خير ووئام.