(بو ديروك ) للتأريخ , كتاب أستثنائي

(بو ديروك ) للتأريخ , كتاب أستثنائي

(بو ديروك ) للتأريخ , كتاب أستثنائي
غزالة خليل
من المؤكد أن لكتاب ( للتأريخ)، لمؤلفه فخامة الرئيس مسعود الباراني أهمية جدا كبيرة و استثنائية و أن هذا الكتاب و بما يحتويه من المعلومات الثرية سيكون اضافة ممتازة الى المكتبة السياسية الكوردية والعالمية، لأن الكتاب لشخصية سياسية بارزة ليس فقط على الساحة السياسية الكوردستانية بل له دور محوري على الساحتين العراقية و الأقليمية والدولية.
( للتاريخ) كتاب مهم، يتحدث عن التأريخ السياسي والاجتماعي لشعب كوردستان، و يتطرق الى تأريخ وطن و شعب له دوره المهم في خارطة الشرق الأوسط الكبير، حيث أن تلك البقعة الجغرافية المترامية الأطراف والتي تم تجزئتها ضد الأرادة الكوردية دائما كانت و مازالت نقطة أو بؤرة صراعات دولية و محلية و أقليميه، يتحدث عن مشروع قومي و وطني كان له ولوالده الزعيم الكبير ملا مصطفى البارازني و لعائلته عموما دور كبير في نهضة الكورد وفي ثوراته و أنتفاضته، حيث كان الفكر الاستقلالي راسخا و قويا في برنامج الشيخ عبدالسلام البارزاني و ذلك قبل الحرب العالمية الأولى و انهيار الدولة العثمانية.
هذا الكتاب الذي طبع للمرة الأولى باللغة الكوردية وسرعان ما ترجم الى اللغة العربية وحتما ترجم الى اللغات الفارسية والتركية والى لغات اخرى عديدة، و من المؤكد سوف يكون محل مناقشات و سجالات فكرية و سياسية، لأن مؤلف الكتاب هو ليس مؤلفا عاديا أو شخصية غير معروفة، بل هو لقائد سياسي محنك وله ذاكرة سياسية ثرية، حيث فخامته (مسعود البارزاني) هو رئيس الحزب الديموقراطي الكوردستاني.
الأخ مسعود البارزاني هو أبن ذلك القائد الراحل وكذلك ومنذ ريعان شبابه أنخرط في العمل السياسي وحمل البندقية الشرف والكرامة واصبح من البيشمركة هذا اللقب أو التسمية التي مازال يتشرف بها سيادته و يفضلها على باقي الرتب و المناصب.

للزعيم الأخ مسعود البارزاني كتب اخرى لا تقل اهمية عن هذا الكتاب الثري، حيث سبق له ان طرح كتاب أخر تحت عنوان (البارزاني والحركة التحررية الكردية) ويأتي هذا الكتاب ليكمل كتابه الأول، وأعتقد بأن هذه المساهمات تأتي لتزيل الستار عن الكثير من الخبايا و الأسرار، بل أن تجربته هذا جاءت لتؤكد بانه من الضروري ان يكتب الكورد انفسهم تأريخهم، لأن أغلب ما كتب عن الكورد هم المستشرقون الأجانب و رغم جهودهم الحثيثة في البحث و التقصي، وإسهاماتهم القيمة لكن يبقى طرحهم ناقصا، لكن الكوردي حين يكتب عن تأريخ أمته وقضية شعبه، فانه سيكتب بقلم صاحب القضية الملتزم بمشروعه القومي و حتما سيكتب بحرارة وعشق
نرى أن سيادته قد كتب عن الأحداث بصدق وشفافية بل واستطيع القول بأنه كتب بحيادية وعقلية منفتحة وبحس ثوري و ديموقراطي واعطى لكل ذي حق حقه، أي انه ابتعد كل البعد عن لغة السياسيين المعتاده، الذين يكتبون بتطرف ويحللون الحدث بنظره احاديه مغلقة، و هذه النقطة بحد ذاتها تعتبر انطلاقة جديده وجديه وجديرة بالوقوف عليها، وبناء على تلكم المعطيات نستطيع القول بانه سيكون لهذا الكتاب أهمية علمية وأكاديمية وسيكون مصدرا موثوقا به لدى الجامعات و المراكز البحث العلمي و لطلبة الدراسات العليا و لكل المهتمين بالشأن الكوردي، حيث يعد هذا الكتاب وثيقة مهمة ومتميزة و تضم بين صفحاته معلومات جديدة و اسرار في غاية الأهمية و خصوصا للباحث و الرأي العام الغربي حيث سيطلع على موقف دول الكبرى و التي تدعي الديموقراطية.

في البدء يتحدث المناضل القائد مسعود البارزاني، عن الشعب الكوردي ( للشعب الكوردي تأريخ ولغة وثقافة وعادات وتقاليد خاصة، يعيش منذ الاف السنين على ارضه) وهو بذلك يؤكد على مسألة جدا مهمة وهي المقومات القومية المتوفرة لدى الشعب الكوردي والذي يجعله مختلفا عن باقي القوميات المتواجدة في المنطقة و بذلك يدحض النظرة الشوفينية السائدة لدى النخبة الحاكمه في الدول المحتلة لكوردستان و التي تدعي بأنه لا يتوفر لدى الكورد المقومات الصحيحة لتجعلهم أمة قائمه و مكتفية بذاتها.

كذلك يتحدث و بأسى عن تأريخ كوردستان أو بالأحرى تأريخ تجزئة كورستان بدأ من تقسيمها بين الامبراطوريتين العثمانية و الصفوية عقب معركة الجالديران، هذه المعركة التي نشبت في اب عام 1514، التي جلبت الكوراث والويلات للشعب الكوردي، حيث كانت كوردستان ساحة لتلك المعركة، وكانت لها نتائج كارثاتية للشعب الكوردي حيث تم ولأول مرة في التأريخ تجزئة وتقسيم وتشتيت الأمة الكوردية حيث و بموجب تلك الأتفاقية المشؤومة غدت ثلاث أرباع كوردستان تحت سلطة الدولة العثمانية والربع الأخير تحت سلطة الدولة الصفوية وكذلك تحدث الكاتب عن معاهدة زهاو والتي وقعت بين الامبراطوريتين أيضا في عام 1639، لترسخ تقسيم وتجزئة كوردستان و كذلك يتحدث الأخ الرئيس مسعود البارزاني عن اتفاقية سايكس بيكو و التي بموجبها تم توزيع اراضي الدولة العثمانية بين الدول المتحالفة، و بعد الحرب العالمية الأولى، تم تنفيذ بنود تلك الاتفاقية من قبل الدول المنتصرة في ذلك الحرب( بريطانيا وفرنسا)، لقد كان لذلك التقسيم نتائج مجحفة بحق الشعب الكوردي خاصة و و شعوب المنطقة عموما، و بهذا الصدد يقول الكاتب الرئيس المناضل مسعود البارزاني:( بأن هذا التقسيم خلف أوضاعا جيوسياسية معقدة جدا، و للأسف لم يتم الأعتراف في أي جزء من الأجزاء الأربعة بالحقوق المشروعة للكورد، كما تم انكار وجودهم و نتيجة لتلك السياسة الخاطئة ظهرت صراعات طويلة الأمد لم تستطع الحكومات أنهاء الكورد ولم يستطع الكورد اسقاط تلك الحكومات و في هذا المجال سالت الكثير من الدماء و كانت شعوب المنطقة و السلام و الاستقرار هي المتضررة الاساسية)، ( ص 16).
منذ تلك الحقبة ومازال الصراع محتدما بين الكورد الذين يناضلون من أجل حقوقهم القومية والوطنية المشروعة وبين الدول المحتلة لكوردستان الذين يحاولون وبمختلف الطرق و الأساليب الدموية من أجل صهر القومية الكوردية بكل مفرداتها الثرية في بودقة قومياتهم و كما يؤكد سيادة الرئيس مسعود البارزاني الذي هو شاهد حقيقي على مجمل ما حدث خلال أكثر من ستة عقود من الصراعات بأن الكورد وقادتهم دوما كانوا ميالين للحل السلمي الديموقراطي لقضية شعب كوردستان وهنا يتطرق سيادته الى نقطة جدا مهمة وهي العقل السائد لدى النخبة الحاكمة للدول المحتلة لكوردستان الذين دوما كانوا يتجاهلون مطاليب شعب كوردستان ودائما كانوا يختارون الحل العسكري وممارسة شتى وسائل العنف والأرهاب ووصل بهم الأمر الى حد استخدام الأسلحة المحرمة دوليا لأبادة شعب كوردستان.
يتحدث الكاتب عن تأثير تجزئة وتقسيم كوردستان ويقول بأن تلك السياسة قد أثرت على واقع الحراك السياسي في كوردستان، حيث غدت لكل جزء من أجزاء كوردستان، واقع سياسي جديد ومختلف عن الأجزاء الأخرى، حيث لايمكن النضال بنفس الأدوات والأساليب حيث غدا لكل جزء واقعه المختلف وظروف ذاتيه وموضوعية خاصة به.
في هذا الصدد، يتحدث الرئيس مسعود البارزاني عن تجربة ذلك الجزء من كوردستان و الذي على اثر توقيع معاهدة سيفر ووفقاً لأطار السياسة الرئيسية البريطانية لحق بالدولة العراقية و ذلك بعد تأسيس المملكة العراقية، حيث لم يتم مراعاة خصوصيات شعب ولاية الموصل والتي كانت تضم أضافة للغالبية الكوردية كذلك قوميات واقليات اثنية أخرى، حيث ادى ذلك الى خلق الكثير من المشاكل والعقد وهذا ما ادى لاحقا الى خلق المزيد من الفوضى و اللأستقرار السياسي والأجتماعي، مع ان إلحاق هذا الجزء من كوردستان بالدولة العراقية وحسب توصيات عصبة الأمم كان ضمن شروط معينة ومن تلك الشروط هو أن تحمي الحكومة المشكلة في العراق حقوق الكورد في إدارة شؤونهم وأن تصبح اللغة الكوردية هي اللغة الرسمية في المدارس والتعليم وفي الدوائر والمحاكم ولكن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تنفذ اية شرط من هذه الشروط، بل بالغت في ممارسة نهج شوفيني قائم على تهميش الكورد وأقصاءهم دورهم في أدارة البلاد وبذلك لم تعد الدولة العراقية قائمة على أساس الشراكة بين العرب والكورد، بل العرب نسوا بأن الكورد كان لهم الفضل في ألحاق ولاية الموصل الغنية بثرواتها الطبيعية و مواردها البشرية و موقعها الاستراتيجي بالدولة العراقية، ونتيجة لتلك السياسة الخاطئة ولد صراع سياسي وانتفاضات وثورات عديدة وذلك في سبيل استعادة حقوق شعب كوردستان، بدأ من انتفاضة شيخ محمود الحفيد في السليمانية عام 1919و كذلك الحركتان التحرريتان في عام 1931، 1932، بقيادة الشيخ أحمد البارزاني وفي سنوات 1943 و 1945 بقيادة الخالد ملا مصطفى البارزاني، كل ذلك جاء كرد فعل قوي ضد سياسة التهميش والإقصاء، مع أن الدولة العراقية وبمساعدة مباشرة من بريطانيا استطاعت أن تخمد هذه الحركات والثورات ولكن هذا الأخماد كان لبعض الوقت، حيث كانت الثورات تندلع من جديد وبحماس اكثر، كل هذه التراكمات والسياسات اللامسؤولة من قبل الدولة العراقية، ادت الى اندلاع ثورة ايلول المجيدة عام 1961، بقيادة الأب الروحي للأمة الكوردية الزعيم الخالد ملا مصطفى البارزانى والتي كانت اكبر ثورة في تأريخ الكورد وشملت كل مدن وقصبات و قرى كورستان، هذه الثورة استطاعت ان تحقق أكبر أنجاز للكورد وذلك بعد أرغام الحكومة العراقية على توقيع اتفاقية آذار عام 1970، رغم أن الحكومة العراقية قد تنصلت من تنفيذ بنود تلك الأتفاقية لكنها غدت و ثيقة تأريخية بيد الكورد.
كذلك يتحدث الكاتب بإسهاب عن عراق ما بعد صدام حسين، حيث من عام 1991، ولغاية 2003، أي من انتفاضة آذار المجيدة ولغاية الهجوم الأمريكي على النظام البعثي وسقوط بغداد، كانت كوردستان شبه مستقلة وكان للكورد حكومة وبرلمان منتخب، الكورد سعوا من أجل بناء عراق جديد، عراق برلماني، فيدرالي، ديموقراطي، قائم على مبدأ احترام المختلف وضمان حقوق كافة مكونات الشعوب العراقية و كان للكورد دور بارز ومحوري وفاعل في صياغة هذا الدستور والمصادقة عليه، لكن للأسف لم يتم تنفيذ بنود هذا الدستور العصري ولم تم تنفيذ ذلك لأستقر العراق ولما كانت هناك الكثير من المشاكل التي تواجه العراق حاليا.

إن كتاب (للتأريخ) كتاب مهم ويمكن أن تزيل الكثير من الغموض حول قضية شعب كوردستان وخاصة للرأي العام العربي والعراقي خصوصا وهي أن العقلية الشوفينيه السائدة لحد الأن لدى النخبة الحاكمة في بغداد والتي تنتهج سياسية أقصاء الأخر الكوردي هي التي تولد المشاكل وتضع العراقيل وتنتج الأزمات..

سيدي الرئيس مسعود البارزاني، شكراً لك، كتابك هذا أغنت المكتبة السياسية ونتمنى أن نقرأ لهم المزيد من النتاجات القيمة.