في المكاشفة والاعتذار والتسامح والتصالح كوردياً ( للمناقشة )

في المكاشفة والاعتذار والتسامح والتصالح كوردياً ( للمناقشة )

في المكاشفة والاعتذار والتسامح والتصالح كوردياً ( للمناقشة )
شاهين أحمد
مامدى حاجتنا كــ تعبيرات سياسية - تنظيمية كوردية ،وكذلك مختلف المنصات المدنية والمنابر الثقافية العاملة وسط المكون الكوردي في سوريا للمكاشفة ، والاعتراف بالأخطاء والتجاوزات، ومن ثم الاعتذار الواضح والصريح، والتسامح، والتسامي فوق الجروح والخلافات البينية لـ قطع الطريق على النافخين في نار الكراهية وإذكاء الصراعات البينية، لتجاوز آثار الخلافات الداخلية، والخروج من حالة الترهل، ومن ثم التأسيس لمقومات وحدة الموقف والخطاب، وصولاً لوحدة الصف وتشكيل مرجعية قومية كوردية سورية جامعة ومعبرة عن تطلعات الشعب الكوردي في سوريا ؟.

المكاشفة هنا نقصد بها الكشف عن الحقائق المتعلقة بالأخطاء والجرائم والإنتهاكات والتجاوزات ، وكذلك تلك المتعلقة بالتهم والتخوينات التي شكلت مادة دسمة في التبرير للإنشقاقات التي أنهكت الحركة التحررية الكوردية، ومازال هذا الوباء الخبيث ينتشر في صفوفها، ومن ثم رفع الستار عنها، والسماح بالإطلاع عليها ومعاينتها من قبل الأطراف المعنية ، وإعلانها مجاهرةً أمام عامة الشعب، وتحديد من تسبب بها وكذلك تسمية المدان وتحديده على ضوءالأدلة والوثائق . وعلى الطرف المتورط بها أن يتقبلها، ويقر بإرتكابه لها،ومن ثم الإعتذار للضحايا أو ذويها أو الأطراف المعنية بها، واستعداده لتعويض هؤلاء الضحايا أو ذويهم، أو تلك الأطراف التي وقعت عليها الظلم أو الانتهاك، والتأكيد على عدم تكرارها، أو العودة إليها مرةً أخرى . وبدون أدنى شك أن المكاشفة هي الخطوة الأولى التي تمهد للإعتراف بالأخطاء، وبالتالي الاعتذار والتأسيس لثقافة الصدق والتسامح والشراكة والبناء. وشعوب منطقتنا بشكل عام، وكسوريين بصورة خاصة، والعاملين في صفوف التعبيرات السياسية - التنظيمية الكوردية على وجه التحديد نحتاج اليوم للأخذ بهذه العملية الضرورية وتطبيقاتها وممارساتها العملية. وسنقوم بإثارة هذا الموضوع كوردياً أولاً، ومن ثم سورياً ثانياً وعلى حلقات، وكلنا أمل بأن أصحاب الأقلام والمهتمين سوف يتفاعلون إيجاباً مع هذا الموضوع الذي يشكل بتقديري المدخل لتأسيس أرضية لثقافة الاعتراف بالخطأ أو الجريمة أو الانتهاك والتجاوز، ومن ثم الانطلاق نحو وضع أسس لتشخيص الواقع القائم، وصياغة رؤى واقعية لمعالجته . وبما أن الموضوع متشعب وكبير ومراعاةً لظروف النشر وكذلك المزاج العام للقراء الأكارم وظروف العمل، وكذلك طغيان ظاهرة الوجبات السريعة في مجال القراءة والمطالعة سنقوم بنشر هذا الموضوع على حلقات متتالية ومتقطعة علها تدرك مقاصدها آملين من القراء الأكارم ومن مختلف الانتماءات والولاءات الحزبية والمناطقية تفهم أهمية الموضوع لجهة كشف بعض الامور التي قد تكون وقعها ثقيلاً أو تحدث بعض الخدوش أو حتى الجروح في نفوسنا، لكن علينا أن ندرك بأن امتلاك الجرأة على الاعتراف بالخطأ يشكل المدخل الصحيح من أجل البحث عن المعالجة السليمة. وسنخصص الحلقة الأولى في هذا الموضوع عن الوجود الإشكالي لحزب العمال الكوردستاني pkk خارج ساحته بشكل عام وفي كوردستان سوريا بصورةٍ خاصة .

الحلقة الأولى : الوجود الإشكالي لحزب العمال الكوردستاني pkk خارج ساحته بشكل عام وفي كوردستان سوريا بصورةٍ خاصة .
بداية من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن ظاهرة النزوح واللجوء إلى الجوار الاقليمي أو حتى المهاجر البعيدة وخاصة للعاملين في حقول السياسة - التي تعتبر من الممنوعات في منطقتنا - تعتبر ظاهرة شبه طبيعية وجزءاً من حياة شعوب المنطقة وكذلك من الحراك والمشهد العام لمنطقتنا وتتكرر بشكل شبه دائم في بلداننا. وجدير ذكره أيضاً أن شعبنا الكوردي بشكل عام، والعاملين في حركته السياسية بصورة خاصة يشكلان الجزء الأهم من تلك الظاهرة . حيث سبق أن نزحت قيادات وكوادر من الأحزاب الكوردية الشقيقة من كوردستان العراق إلى الجوار الاقليمي وسوريا ضمناً في مراحل تاريخية مختلفة ولكن ذاك النزوح بقي في إطار الضيافة واحترام خصوصياتنا ولم يكن هناك أي تدخل من قبل هؤلاء الاخوة في شؤون شعبنا وحركتنا التحررية الكوردية باستثناء التدخل السلبي للمرحوم جلال الطالباني لفترة محدودة في شؤون الحركة الكوردية في سوريا في منتصف سبعينيات القرن العشرين . لذلك وتجنباً لوقوع بعض الاخوة الأكارم في لبس تفسير هذه الظاهرة نقول ليس عيباً أو نقيصة لجوء أو نزوح شخص أو مجموعة بشرية معينة سواءً كانت كبيرة أو صغيرة ونتيجة ظروف قاهرة اختيار اللجوء أو النزوح مؤقتاً أو دائماً . لكن مشكلتنا مختلفة هنا لأننا أمام ظاهرةٍ تحول فيها النزوح أو اللجوء إلى عمل منظم في ديارنا، والتدخل في شؤون شعبنا وتعبيراته، والتحول لأداة في يد نظامٍ ناكرِ لوجودنا وحقوقنا، والدخول في معادلة الصراعات بين الدول، والانسلاخ كلياً عن مشروعه، ونسيان ساحة عمله. لنعد إلى موضوعنا، فبعد تأسيس السيد عبد الله أوجلان لحزب العمال الكردستاني PKK في عام 1978 وتزعمه له، ورفع الحزب لشعار " تحرير وتوحيد كوردستان " ، ذاك الشعار المثير للشبهة والاستفهام، والعاطفي إلى حدٍ بعيد لكسب وجذب الشباب المتحمس . غادر أوجلان تركيا عام 1980 إلى سوريا عبر ريف منطقة كوباني في مرحلة الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال كنعان إفرين في أيلول 1980 ليعمل من منفاه في سوريا ولبنان، وتنقل بين دمشق وسهل البقاع اللبناني الذي كان يخضع بشكل مطلق للسيطرة الأمنية السورية. حيث قدم النظام السوري الدعم لأوجلان لإقامة معسكرات لتدريب أعضاء pkk بداية في سهل البقاع اللبناني، ومن ثم نُقلت تلك المعسكرات إلى الداخل السوري ،وخاصة إلى محيط العاصمة دمشق مثل شبعا وغيرها. ونسج الحزب وزعيمه علاقات مع النظام السوري على مختلف الصعد وخاصة الأمنية، حيث سمح النظام لأوجلان وحزبه بحرية التحرك والنشاط بشكل علني داخل أوساط الشعب الكوردي في سوريا، وبدأت كوادر الحزب بجمع الأموال، وتجنيد الشباب من أبناء وبنات الكورد السوريين وتدريبهم في تلك المعسكرات، وتهيئتهم وتدريبهم ومن ثم إرسالهم لاحقاً إلى جبال قنديل في كوردستان العراق حيث المخابئ الجبلية، لاستخدامهم في العمليات العسكرية التي انطلقت شرارتها في الـ 15 من آب عام 1984 في مسلسل الصراع الدموي بين العمال الكوردستاني والحكومات التركية المتعاقبة. وبدأت كوادر pkk بالتغلغل في مفاصل المجتمع الكوردي في سوريا، وقاموا بنشر فلسفة زعيمهم بين فئة الشباب المتحمس ، من خلال شعارات عاطفية كبيرة ومدغدغة لمشاعر الشباب . والمؤسف أن قيادة pkk لم تقف عند التدخل واستغلال أبناء الشعب الكوردي في سوريا وإرسالهم إلى معاركه فحسب، بل بدأت تلك القيادة بتوجيه كوادرها والتدخل في سؤون الحركة التحررية الكوردية في سوريا، وتهديد منتسبيها، والاعتداء على قياداتها والناشطين في صفوفها، وكل ذلك تحت أنظار الأجهزة الأمنية السورية . وتحول الحزب رويداً رويداً إلى رديف قوي ومكمل لعمل الأجهزة الأمنية في مجال ملاحقة ومضايقة وضرب واغتيال نشطاء الحركة التحررية الكوردية في سوريا، وكذلك أصبح الحزب أداة يستخدمه النظام في صراعاته الاقليمية. استمرت الأوضاع على هذا النحو حتى نهاية تسعينيات القرن العشرين عندما وصلت العلاقات بين سوريا وتركيا إلى حافة المواجهة والانهيار، وانزلاق الأوضاع نحواحتمالية حدوث حرب عسكرية شاملة بين الدولتين فدخل الرئيس المصري الراحل حسني مبارك على خط الوساطة بين الدولتين، تلك الوساطة التي توجت بإتفاق أمني معروف سميت باتفاقية أضنة ، وبنتيجة تلك الاتفاقية قامت السلطات السورية بإبعاد أوجلان من سوريا في تشرين الأول 1998 تجنباً لوقوع حرب بين الدولتين . خلال مرحلة التحضير لما بعد خروج أوجلان، وشعور النظام بخطورة ترك الآلاف من أنصار pkk الذين سيصيبهم الغضب تجاه النظام ، وكذلك وجود كتلة كبيرة من الشباب بدون تنظيم وتحكم، وخوفاً من التحاقهم بصفوف الأحزاب الكوردية السورية المحظورة، أو خروجهم عن السيطرة، كل ذلك دفع النظام بإعادة السيطرة على أنصار أوجلان من خلال تشكيل جسم تحت مسمى " التجمع الديمقراطي " بقيادة محمد مروان زركي المعروف بقربه وعلاقاته مع أوساط النظام. هذا التجمع إنبثق منه لاحقاً حزب الاتحاد الديمقراطي pyd في 20 أيلول 2003. الغاية من هذا السرد التاريخي السريع للعلاقة بين حزب العمال الكوردستاني والنظام السوري هو لمساعدة القارئ الكريم في فهم طبيعة العلاقة والتحالف بين حزب الاتحاد الديمقراطي كفرع لحزب العمال الكوردستاني والنظام . سابقاً ربما الامور كانت تجري بمرونة وبطريقة باردة، ولكن بعد انطلاق الاحتجاجات الشعبية في منتصف آذار 2011 ومن ثم قيام النظام بالاستعانة بحليفه القديم – الجديد وتسليم مناطق واسعة من كوردستان سوريا إلى الحزب بموجب اتفاقية دوكان بين pkk والنظام بإشراف إيراني وبحضور ممثل حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني، سيطر الحزب من خلال مسميات مختلفة وبموجب تلك الاتفاقية على كامل مفاصل الحياة في المناطق التي استلمها من النظام، ومنعت أحزاب الحركة التحررية الكوردية من نشاطها، ولاحق النشطاء، ومارس الخطف والقتل بحق أبناء الشعب الكوردي، وحول غالبية مناطق كوردستان سوريا إلى مناطق عسكرية، وساحات مفتوحة لحروبه المختلفة، وسلط على رقاب الشعب مجاميع منفلتة بأسماء مختلفة مثل منظمة " جوانن شورشگر " وغيرها ،وزج بالآلاف من أبناء الشعب الكوردي من بينهم مئات القصر في معاركه العبثية، وجعل من تلك المناطق التي يسيطر عليها معسكرات مغلقة ومحاصرة من مختلف الاتجاهات، وبيئة طاردة لكل من يرفض وجوده وسياساته، وعمل على إثارة الكراهية وزرع الأحقاد بين شعبنا وبقية مكونات الشعب السوري وخاصة المكون العربي الكريم .

ملخص الحلقة :
يمكننا القول وبإختصار أن وجود حزب العمال الكوردستاني خارج ساحته تحول إلى مشكلة كبيرة، وكارثة باتت تهدد الوجود القومي الكوردي في أكثر من جزء من كوردستان، وسبباً رئيسياً في بقاء تلك المساحات التي يتمركز فيها مسلحي الحزب كـ محارق لأبناء شعبنا، وكذلك شوه هذا الوجود الإشكالي والغير قانوني الوجه الناصع لعدالة قضيتنا، وبالتالي هذه المشكلة تضعنا أمام جملة أسئلة تطرح نفسها بإلحاح شديد علينا وعلى قادة ومناصري الفرع السوري لهذا الحزب ومنها : ماهو مشروع حزب العمال الكوردستاني الخاص بالشعب الكوردي في تركيا ؟ أيعقل بأن قيادة العمال الكوردستاني لاتعي معنى وجودها الغير قانوني داخل كيانات أخرى لها حدودها الإدارية والسياسية الدولية ؟ ولماذا يترك العمال الكوردستاني ساحته ويلجأ ويتدخل في شؤون بقية أجزاء كوردستان ؟ إلى متى سنتعامل مع هذا الوجود الغير شرعي والإشكالي والكارثي ببراءة وبنفس الطريقة التي تؤدي يوماً بعد يوم إلى تفريغ كوردستان من أبناءها ومناضليها وكفاءاتها ؟ متى وأين خدم هذا الحزب مصلحة شعب كوردستان من يوم تأسيسه وحتى اليوم؟ لماذا يتفق ويتوافق هذا الحزب مع جميع الأطراف وخاصة تلك المعادية لقضية شعبنا ولكنه يعادي كامل أحزاب الحركة التحررية الكوردية في مختلف أجزاء كوردستان ويرفض العمل والاتفاق معها؟ ألم يحن الوقت كي تتوحد وتتكاتف أطراف الحركة التحررية الكوردية في مختلف أجزاء كوردستان وتتخذ موقفاً واضحاً وجريئاً من وجود مسلحي pkk خارج ساحته ، والطلب من الحزب بالانسحاب الفوري والنهائي من أجزاء كوردستان الأخرى والعودة إلى ساحته وترك السلاح جانباً، والانخراط في النضال السياسي السلمي والديمقراطي البرلماني بعيداً عن جميع أشكال العنف ؟. مامدى واقعية المراهنة على أمريكا فيما يتعلق بإخراج كوادر العمال الكوردستاني من كوردستان سوريا ؟ ماهي الخيارات الواقعية المتاحة أمام الشعب الكوردي وحركته التحررية في سوريا للتعامل مع هذه القضية – قضية إخراج مسلحي العمال الكوردستاني - التي باتت تهدد الوجود القومي لشعبنا ؟.
ملاحظة : الحلقة القادمة ستكون حول المجلس الوطني الكوردي في سورياENKS ، دوره، أسباب ضعفه ، تركيبته، آليات عمله، علاقاته وتحالفاته، مبررات وجوده داخل المعارضة السورية الرسمية المتمثلة بالائتلاف السوري المعارض ، جدوى استمراريته في التفاوض مع PYNK بالرغم من كل التجاوزات والانتهاكات المستمرة ...إلخ .