لاعبو آستانة على ملعب سجن الحسكة

لاعبو آستانة على ملعب سجن الحسكة

لاعبو آستانة على ملعب سجن الحسكة
بقلم : شريف علي
النعوت التي كان يوصف بها معتقل الثانوية الصناعية في حي غويران على الطرف الجنوبي لمدينة الحسكة كلها ذات دلالات على انها المعتقل الأخطر على مستوى العالم من جهة نزلاءه من المعتقلين ممن هم أعضاء في تنظيم داعش ( الدولة الإسلامية في العراق والشام ) الإرهابي والذين تم إعتقالهم خلال دحرها على يد قوات التحالف الدولي وقوات سورية الديمقراطية المعروفة إختصارا ( قسد) منذ آذار 2019 حيث تم تجميع كافة المعتقلين من أعضاء ذلك التنظيم في سجون تمركزت في محافظة الحسكة إلى جانب العوائل من النساء والأطفال الذين تم حجزهم بشكل أساسي في مخيم هول شرق الحسكة بالقرب من الحدود العراقية.لكن بقي الأخطر من جميعها سجن الثانوية الصناعية في الحسكة الذي ضم قرابة ال 6000 ستة آلاف معتقل غالبيتهم من كبار قادة التنظيم وهو ما جعلها مستهدفة على الدوام من قبل الخلايا النائمة للتنظيم ومصدر قلق مستمر للقوات الأمريكية وقوات قسد المكلفة بحماية وإدارة السجن سواء جراء محاولات داعش لتهريب المعتقلين, أو العصيانات التي كانت تتم داخل السجن إلى أن كان يوم ال 20 من يناير كانون الثاني الجاري ليحتل فيه وقعة هجوم داعش على سجن الحسكة وفرار صدارة الأخباروفي كبريات وسائل الإعلام العالمية المرئية والمقروءة وفرار السجناء ممن يعترون أخطر الإرهابيين على المستوى العالمي وسط تساؤلات فرضت نفسها في ذات الوقت بالنظر لما يشكله حالة الفرار الجماعي هذه من خطر على المنطقة والعالم برمته .من جهة وتناقض ما حصل مع المعطيات الملموسة المتعلقة بحالة السجن والاجراءات الأمنية المشددة المتبعة حيالها من جهة أخرى والكل تصب في خانة محاولات الوصول الى حقائق أو البعض من الحقائق المحيطة بحدث كبير بهذا الحج والتأثير، هذا إن كان من جهة التوقيت أو الآلية أو الجهات التي لعبت دورا فيه وما إلى ذلك .

تجاه مجمل المسائل السابقة وفي غضون الأيام القليلة الماضية تعددت الآراء وتباينت وجهات النظر للحدث تبعا لموقعها بالنسبة للاأطراف الثلاثة الفاعلة فيه (التحالف الدولي متمثلا بالولايات المتحدة الأمريكية ،الإدارة الذاتية متمثلة بقوات سوريا الديمقراطية قسد ،تنظيم الدولة –داعش - متمثلة بعناصرها داخل السجن ).وهو ما ساعد بشكل مباشر على كشف الكثير من خفايا الهجوم الداعشي على السجن والأذرع الخفية المتورطة في هذا الهجوم ،لكن لابد هنا من الاشارة إلى أن الجهة القائمة على إدارة السجن وهي قسد كانت على دراية بأن داعش تحضر لهجوم كبير على السجن حسب ما تناقلته وسائل اعلام قسد وادارة ب ي د من اعترافات احد قادة داعش إضافة إلى أن القوات الأمريكية حذرت وقبيل حوال ثلاثة أشهر من التحركات المريبة للخلايا النائمة لداعش في الريف الجنوبي للحسكة ،هذين المؤشرين تزامنا مع قضايا إقليمية ودولية تعنيان الولايات المتحدة مباشرة -الجهة المعنية أساسا بالسجون والمعتتقلات التي تضم عناصر داعش وكبار قياداتها –

ففي الجوار العراقي حيث سقطت الورقة الإيرانية بعدالإنتخابات البرلمانية الأخيرة وباتت الكتلة المسيرة إيرانيا شبه خارجة من موقع القرار العراقي مستقبلا، وفشلها في إمكانية تحقيق إدارة توافقية مع اية كتلة برلمانية أخرى والأهم من ذتك تحكم الكتلة الكوردية ورافعها الأساسي الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة الرئيس مسعود بارزاني بدفة التوجه الحكومي القادم للعراق فكان لابد لتحرك ايراني لخلط الأوراق مجددا وإعادة أنتاج مرحلتي حكومتي نوري المالكي وحيدرعبادي في العراق فوجدت ضالتها في إحياء التنظيم الإرهابي في العراق من خلال تأمين خروج قياداتها المعتقلة في السجون الأمريكية المقامة في مناطق السيطرة الأمريكية في سوريا ووصولها إلى العراق عبر بوابة سنجارتحديدا حيث نفوذ ميليشات الحشود الإيرانية ،وهو ما تؤكده الوثيقة المسربة من قيادة حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي، المستندة على توجيهات المكتب الإقليمي للحرس الثوري الإيراني في العراق والمعممة على ما يسميها فصائل المقاومة الإسلامية في العراق بتاريخ 17 يناير كانون الثاني 2022 .

موسكو الطرف ذو النفوذ القوي على الساحة السورية من جهتها لم تكن بمنئى مما حصل في سجن الصناعة في ظل التوتر القائم مع حلف النيتو والإدارة الأمريكية تحديدا على الجبهة الأوكرانية ، وحسب ما يقرأ في تعليق نائب مدير إدارة الإعلام والصحافة في الخارجية الروسية إليكسي زايتسيف على هجوم تنظيم داعش الأخير،
"من الواضح أن الأمريكيين والسلطات الكردية المحلية عاجزون عن تحقيق أهداف ضمان الأمن على نحو راسخ في الأراضي الخاضعة لسيطرتهما في شمال شرقي سوريا"".

فإن روسيا تضاف إلى قائمة المستفيدين من العملية الإرهابية لشد الإنتباه الأمريكي نحو جبهة محاربة داعش لإظهار عجز التحالف الغربي في القضاء على داعش ومحاولة تخفيف الضغط الأوربي والأمريكي عن الجبهة الأوكرانية ،التي باتت أقرب إلى المواجهة العسكرية هذا إلى جانب دعم موقفها الداعي لسحب القوات الأمريكية من سوريا واستعادة سيطرة الحكومة السورية وبالتالي سيطرتهاعلى منطقة ما اصبحت تعرف شرق الفرات. وهو الموقف المتقاطع مع الموقف الإيراني الذي جمعت موسكو مؤخرا وقبيل الهجوم الإرهابي بأيام قليلة اجتماعا ضم رئيسي كلا الدولتين الذي غاب عنه شريك أستانة الفاعل الآخر تركيا.

تركيا التي تجسد حزب العمال الكوردستاني ب ك ك في قسد عدوا لها وجاعلا منها الشماعة التي تبرر بها إجتياحاتها المستمرة للمناطق الكوردستانية وصكوكا لتثبيت احتلالها لتلك المناطق فهي ربما تعمل أكثر من السعي لتسهيل فرار الإرهابيين من المعتقل مادامت هي الحاضنة والداعمة الرئيسية لاولئك الذي يستبيحون كل ما هو موجود في المناطق التي تحتلها من عفرين حتى كري سبىي وسري كانية والتي جعلت منها مزارع الإرهاب في المنطقة ومثار شك إن لم يكن تأكيد على توافد عناصر الخلايا النائمة لداعش من المناطق المحتلة على ضوء تصريحات المسؤولين الأتراك باستبعاد أي خطر على المنطقة باستثناء شماعتها التي حاربت بها القضية الكوردية والوجود الكوردي بشتى الوسائل .

الحكومة السورية ومن خلال قراءتها للمشهد عبر البيان الصادر عن وزارة الخارجية البيان الذي إعتبر المستهدفون من جانب طيران التحالف الدولي وقوات قسد هم المدنيين وإعتبار العملية تستهدف الأحياء العربية في مدينة الحسكة تمهيدا لتغييرها ديموغرافيا ،إلى جانب التحركات الميدانية لوحدات من الجيش السوري في بادية الرقة ومناطق التماس مع خلايا داعش عكست ارتياحها من الهجوم الإرهابي على السجن لتلتقي مع موقف المعارضة المنضوية في إطار الإئتلاف المدعوم تركيا والتي اكدت من جديد سياستها العنصرية في موقفها تجاه العملية الارهابية لداعش في سجن الصناعة بالحسكة متغافلة كل أخطار وتداعيات هذا الهجوم الإرهابي والجهات المتورطة فيها لتتمسك بترديد الإسطوانة التركية المتعلقة ببسطرة قسد وما تمثله من وجهة النظر التركية على ما باتت تعرف بمنطقة شرق الفرات .هذا ما اكدته البيان الذي اصدره الإئتلاف إزاء الهجوم الداعشي على سجن الصناعة.

مقابل هذه الشراكة و التوزيع المنظم للأدوار بين الأطراف المذكورةمن جهة ، والألية التي تمت بها العملية الإرهابية يستشف بأن شبكة المساهمين بشكل مباشر أو غير مباشر ربما تتسع دائرتها لتمتد إلى حلقات أصغر وأكثر قربا من جدران السجن إن لم تكم ممتدة إلى داخل السجن وإن بقرارات خارجية.فبوضع الأمور المتعلقة بالسجن من حيث الموقع وطبيعة البناء جانبا والتي تتنافى مع أدنى مواصفات السجون رغم كون هذا السجن يضم بين جدرانه ما يزيد عن خمسة آلاف من أخطر الإرهابيين في العالم فإن إشارات الإستفهام تتراكم حول نقاء صفوف اطقم الحماية والإدارة وهشاشتها على مستويات المسؤولية كافة، يضاف إلى ذلك العديد من الأمور والترتيبات التي لوحظت وتمت قبيل الهجوم الداعشي عبر خلاياه النائمة في المنازل القريبة من السجن ، لعل أبرزها وأهمها :
المتحدث باسم قوات قسد اشار في لقاء متلفز إلى أن إعترافت لقيادي داعشي تم إعتقاله تضمنت استعداد التنظيم لعملية إقتحام سجن الصناعة ،قيادة القوات الأمريكية في المنطقة أشارت من جهتها إلى تحرك ملحوظ لخلايا التنظيم في الريف الجنوبي للحسكة والشمالي لدير الزور ، إخلاء مديرية المحروقات ـ سادكوب ـالمجاورة للسجن بعدة أيام قبيل الحدث ،رفع العديد من الحواجز الأمنية على الطرقات الم}دية الى خارج المحافظة ،عدم توفير القوة الأمنية الكافية والرقابة المتشددة لحماية السجن لدرجة بدا أن التواصل بين المعتقلين في الداخل وعناصر التنظيم في الخارج كان قويا إلى ابعد الحدود،بما يؤكد الإختراق الشاسع لصفوف طاقم الحماية ساهم في تقديم التسهيلات لعملية الهجوم وهذا عائد بالدرجة الأولى إلى توجيهات رجالات الصف الأول للجهة التي اسند إليها أمن وحماية السجن بالنظر للمقاومة والدفاع المستميت الذي أبداه العديد من عناصر الحماية وإرتقاء المئات منهم إلى مرتبة الشهادة .

هذه المسائل مجتمعة تضعنا أمام الحالة الأخطر فيما اذا كان الإحتمال هذا هو خارطة طريق الإرهابيين لأننا نكون بانتظار اكثر من _ سجن الصناعة _ المنتشرة في أرجاء محافظة الحسكة خاصة إذا علمنا أن القوات الأمريكية بإمكانها تتبع حركة الشخص المطلوب وتحديد موقعه في اللحظة التي تريدها هي فكيف لها أن تغض النظر عن آلاف المطلوبين من تنظيم داعش وهم بقبضتها وتحت حراسة من تراهم حلفاءها، ليقومو باضخم عملية منذ الإعلان عن القضاء على آخر معاقل التنظيم في باغوز عام 2019 ، وفرار الآلاف من كبار قادتها من السجن والمئات منهم بمركبات السجن ذاته لتؤكد ما تناقلته وسائل إعلامية نقلا عن ما هي مرتبطة بالتنظيم من أن العملية حققت أهدافها بنسبة عالية جدا .ما يعني وحسب ما أشرنا في بداية الموضوع من أن الرابح في العملية بمجملها كانت إيران التي ارادت استعادة كبار قادة التنظيم إلى حضنها، في حين الأطراف الأخرى التي تورطت وساهمت بشكل أو بآخر في العملية خرجت مدحورة أمام الإصرار الأمريكي على إنهاء التمرد خلال تسعة أيام ،و ليس كما يزعم البعض لرغبة أمريكا على تبرير تواجدها في المنطقة وإنما جزء من الإستراتيجية الإمريكية المرتقبة حيال سوريا بضرورة تأمين الإستقرار في المنطقة والإسراع بحل المعضلة السورية ، إلا إنه تبقى الإشارة إلى أن تداعيات العمل الإرهابي الذي نفذه داعش ضمن إطار صراع استخبارتي دولي وإقليمي ومحلي ،ربما أكثر خطورة من العمل ذاته بالنظر لما ساعد على انعاش الخلايا النائمة للتنظيم وعلى أمتداد مساحات شاسعة متصلة من الأراضي السورية والعراقية،مما يعني التسبب في في نسف اية حلول مرتقبة في الوقت القريب لصالح التجار بدماء السوريين من كل المكونات.