صعود الامبراطوريات

صعود الامبراطوريات

صعود الامبراطوريات
علي مسلم
ساد الاعتقاد في أوساط مهندسي السياسية الدولية حتى الامس القريب، أن عصر الامبراطوريات المترامية قد طواها الزمن، وان التحكم الكوني لغير الأمريكان بات حلماً بعيد المنال، وبناء على ذلك شرع الجميع دولاً ومجموعات، وضمن هذا التوازن القائم في بناء مجتمعاتهم على نمط جديد، بعيداً عن الهيمنة العابرة، والاحلاف القطبية، والحروب طويلة الأمد، ومع بداية ثورة المعلوماتية، وظهور المال كقوة حاسمة، استنهضت الأمم المستضعفة، ساعية للمضي قدما نحو مستقبلها بخطىً وئيدة، على أنقاض الدمار التي خلفتها الحروب، معتقدة أن لا شيء سيعرقل مسيرة تطورها من الآن فصاعداً، لكن هذه الأحلام سرعان ما تبددت، فبين ليلة وضحاها تبدل المشهد رأساً على عقب، وسيطرت المخاوف على هواجس الجميع، في الشرق المتهالك، والغرب المعولم على حد سواء، وقد تبين ان رماد الحروب كانت تغطي جمرات الحقد المتقدة طوال هذه السنين، فمن خسر حرباً، قد لا يخسرها مرة أخرى.

وإذا كانت بعض الامبراطوريات الغابرة قد فقدت قدرتها على العودة الى الظهور من جديد، مثل النابليونية العظمى، ومشروع النازية الألمانية، والمحاولة اليابانية لبناء منطقة رخاء شرق أوسطية، ومشروع الفاشية الإيطالية الذي أخفق سريعاً، فإن بعضها الأخرى ترى في نفسها القدرة الكافية للعودة الى الظهور مهما كلف ذلك من أمر، فكما أن الهبوط يعقب الصعود أحياناً، فإن الصعود قد يعقب الهبوط احياناً أخرى، وهذا ما دفع بعض ورثة الامبراطوريات لمحاولة العودة الى عصر الأمجاد الغابرة، وقد سارت ايران الخميني على هذا النحو عبر مفهوم تصدير الثورة، وذلك عقب استلامها للسلطة عام 1979بعد تمكنها من القضاء على نظام الشاه، متجهة نحو الفضاء العربي، باعتبارها الخاصرة الرخوة لشرق المتوسط، وقد حققت بعض النجاحات المرحلية في هذا السياق، لكن مشروعها التوسعي هذه سيطالها العطب عاجلاً أم اجلاً، أما روسيا التي ترى في نفسها القدرة على تحدي الغرب، دون الاكتراث لما سيترتب على ذلك من نتائج كارثية على مسألة الأمن الدولي، سعياً منها لإعادة امجاد الامبراطورية السوفيتية البائدة، الى جانب محاولة إنهاء القطبية الدولية الواحدة التي سادت بعيد انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وفي هذا السياق لا بدا من الإشارة الى أن شروط الأمس لا يمكن تطبيقها اليوم، وأن ترسانة الاسلحة لوحدها لا تؤهل مالكها لتحقيق حلم الإمبراطورية، فروسيا بوتين لا تمتلك أي فائض من الموارد الاقتصادية لتمويل مشاريعها التوسعية، والقوة لا تقاس بالعضلات ولا بالكيلومترات المربعة، بل بمعايير علمية وتكنولوجية جديدة .