زعيم العصابة والسوريون.. وذبح المرياع

زعيم العصابة والسوريون.. وذبح المرياع

زعيم العصابة والسوريون.. وذبح المرياع
عز الدين ملا
ما يجري الآن من أحداث على الأرض السورية يضعنا أمام امتحان صعب، وخاصة ما يتم ترسيمه بين القوى المتصارعة، وإعادة الانتشار والتمركز، وتبديل مناطق النفوذ، ومحاولة كل طرف سحب البساط باتجاهه وتوسيع رقعة نفوذه.

تحاول كل من تركيا وإيران استغلال الظروف الحالية لتحقيق مكاسب سريعة، بعد أن التهت روسيا في حربها على أوكرانيا، وتوّجه البوصلة السياسة الأمريكية والغربية نحو روسيا للضغط عليها وكسر شوكتها.

وأكثر الدول التي تستغل هذه الظروف هي تركيا، استغلت التهاء القوتين الكبيرتين بالحرب الأوكرانية لتحقيق أطماعها، لذلك تستغل كل فرصة سياسياً لفرض إملاءاتها، ومن تلك السياسات استغلال ملف اللاجئين السوريين، وما يخرج من تصريحات إعلامية لأردوغان بتوطين مليون سوري في المناطق الكوردية والتلويح بتنفيذ اجتياح تركي جديد، وكل تلك المخططات لا يكلف أردوغان أي جهد مادي أو معنوي لأنه يستغل حاجة السوريين، وخاصة ممن غُرِّرَ بهم، بالإضافة إلى المرتزقة والميليشيات والفصائل المحسوبة على الجيش الحر لتنفيذ مخططاته.

كل ذلك ذكَّرني بحلقة من مسلسل عشنا وشفنا، أحد أجزاء المسلسل السوري الشهير "مرايا" للممثل ياسر العظمة: قصة المسلسل باختصار: كان هناك أخوان لهما من الأملاك ما لا تأكله النيران من أراض ومزارع، وفي يوم من الأيام توفى أحد الأخوين، كان للأخ المتوفى ثلاثة أبناء، طالب الأبناء بحصة أباهم، ولكن العم الذي غلبه الطمع والجشع وأعمى عينيه وبصيرته، حاول بشتى الوسائل الاستيلاء على أملاك أخيه المتوفي وحرمان أبنائه من الميراث، بدأ العم ببث الفتن بين الأبناء الثلاثة وتأليبهم على بعضهم البعض، وعندما فشل في ذلك، قام بتهديدهم، ولكن الأخ الأصغر قال لأخويه سوف أطلب المساعدة، وافق أخواه دون أن يكلفا نفسيهما عن ماهية المساعدة وكيف، وما كان من الأخ الأصغر أن استنجد بأحد زعماء العصابات، زعيم العصابة لبى استنجاده، وليتمكن من التدخل بحث عن حجة، أتته فكرة ماكرة، قام بذبح "مرياعه" وهو (كبش الغنم يتم خصيه ليبقى ملازماً للحمار، والأغنام تتبعه باستمرار)، ووضع المرياع المذبوح في مكان بحديقة عم الإخوة الثلاثة.

هاجم زعيم العصابة مزرعة العم واتهموه بذبح مرياعه واستولى على أملاك العم وطرده شرّ طرد. أمّا الأبناء الثلاثة الذين سعدوا بما حصل، وكان طلب الزعيم مقابل مساعدة الإخوة الثلاث في الانتقام من عمهم هو وضع يده على جميع الأملاك، وعند رفض الإخوة الثلاثة طلبه قام زعيم العصابة بسجنهم، وهكذا استولت العصابة على جميع الأملاك ولم يهنأ العم ولا أبناء أخيه المتوفى الثلاثة بأملاكهم.

والوضع السوري يشبه إلى حدّ كبير هذه القصة، والتي كشفت مدى الانحطاط الأخلاقي لكثير من السوريين المحسوبين على المعارضة الذين ارتهنوا لسياسات تركية، وخاصة ممن يتاجرون بالشعارات الوطنية، وهم بالأساس منحطّون ومتخاذلون ويقتاتون على معاناة الشعب السوري، وجلبوا المحتل التركي إلى عقر دارهم فقط لتنفيذ مصالحهم الشخصية الجشعة دون أن يعلموا أن هذا المحتل سينقلب عليهم وينهيهم في النهاية.
كانت الثورة السورية ضد نظام الأسد، ولكن أن تمد الأيدي لتركيا باحتلال أراض سورية وتحت مسميات المنطقة الآمنة فهذا بحد ذاته خيانة وعمالة. والنقطة الأكثر عمالة من أن تترك عدوك الرئيس والذي قمت بالثورة ضده، وأن توجه سلاحك نحو أخيك السوري الآخر، فقط لأنه كوردي، فهذه قمة الخيانة. هذا ما يفعله ممن يحسبون أنفسهم من المعارضة وهم بالأساس ميليشيات وفصائل مرتزقة، يحتمون بالمحتل التركي ويأتمرون لأوامره.

تركيا هي العدو اللدود، ليس للكورد فقط، بل لجميع السوريين، ما يهمها تحقيق مصالحها وطموحاتها العثمانية، والتمدد والتوسع على حساب أراضٍ سورية.

ان انخداع الكثيرين من السوريين بالشعارات التي تطلقها تركيا جعلتهم يسبحون في مستنقع الإرهاب دون أن يدروا أن ذلك سيجلب الوبال والهلاك لهم وللسوريين، وهذا كان جزءاً رئيساً من استمرار هذه الأزمة كل هذه السنوات.

وعليه، فإن أردوغان يتاجر بمعاناة السوريين لتحقيق مصالحه، وتصريحاته عن إعادة مليون لاجئ سوري ليس محبة بالسوريين، بل هناك أسباب كثيرة، ومن أخطر تلك الأسباب هو التغيير الديمغرافي للعديد من المناطق، ومن ضمنها المناطق الكوردية، وإثارة الفتن والنعرات الطائفية بين السوريين ليبقى هو الحاكم والمتحكم بمصير السوريين.

إضافة إلى ما يتم إعلانه عن تنفيذ مرحلة أخرى من تطبيق منطقة آمنة، والتي تمتد على طول حدود سوريا الشمالية حتى مالكية (ديريك). وورقة ضغط تركية أخرى وحجتها حماية أمنها القومي على حدودها مع سوريا من الإرهاب، حسب زعمها، وفرصتها رفض دعوة فلندا والسويد بالانضمام إلى حلف الناتو، الدولتان اللتان تدعمان الإرهاب، حسب وصفه. أردوغان يعلم قبل غيره من المستحيل تنفيذ هذه العملية لأن المنطقة تحت النفوذ الأمريكي، ولكنه يستغلّ ذلك إعلامياً لتحقيق مكاسب أخرى في مناطق أخرى، ومنها المواقع التي تنسحب القوات الروسية منها.
الأخيرة تجمع كل قوتها في حربها على أوكرانيا، ومن الممكن أن تكون الانسحابات الروسية باتفاق مع تركيا لتسليمها المناطق الشمالية التي كانت تحت سيطرتها مقابل فتح المجال الجوي والبحري التركي أمام روسيا.

السوريون المغرّرون بالسياسة الأردوغانية ما زالوا على يقين أن تركيا تفعل كل ذلك من أجل تحررهم، ولكن كما فعل زعيم العصابة، عند انتهاء تركيا من تنفيذ مخططاتها على ظهر الفصائل والميليشيات، ما يسمى بالجيش السوري الحر، ستتخلى عنهم وتطردهم شر طرد، عندها يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ويظهر الحق ويزهق الباطل، وسيلعنهم التاريخ لأنهم كانوا الجسر والأداة التي نفذت كل مخططات الاحتلال وترك شعبهم ووطنهم سوريا فريسة أطماع تركية، وسيكون مكانهم مزبلة التاريخ.