ماريا عباس : المرأة السورية بين حق تقرير المصير ومسؤولية انهيار الأسرة والحديث يطول

ماريا عباس : المرأة السورية بين حق تقرير المصير ومسؤولية انهيار الأسرة والحديث يطول


مازالت المرأة السورية في الوطن والمهجر تصطدم بتحديات شتى تشكك بأحقيتها في تقرير مصيرها و المشاركة بعملية صنع القرار ليس سياسيا وحسب بل يتعدى ذلك ليطال حريتها الشخصية، فتكون في موقع الاتهام والوصمة الاجتماعية، وهي إحدى طرفي المعادلة في العلاقة الزوجية المبرمة بعقد زواج والمنتهية بعقد آخر هو الطلاق أو المخالعة وفق شرع أو قانون ملزم. بين وطن أنهكته ويلات الحرب وانهارت شبكة الأمان الاجتماعية والاقتصادية وبين بلد مضيف تم اللجوء إليه بهجرة قسرية والتي تُعدّ وتصنف كأصعب حالات العنف النفسية في حياة البشر.
اليوم وقد تغيرت الصورة النمطية للمرأة السوریە عموماً لتغدو معيلة أساسية تعمل خارج المنزل وداخله وتكون عرضةً لكافة أشكال العنف من القتل والاغتصاب والاعتقال والسبي والتشرد والنزوح وتحمل مع الرجل أو بدونه أعباء الأسرة، والرجل كذلك أصبح أكثر عرضة للسجن والقتل والهروب خارج الوطن، مجبراً على الهجرة طالباً اللجوء أملاً في واقع مختلف وحياةً أكثر أمنا وحفظاً للكرامه الإنسانيته. وكانت كل المتغيرات كافية لانهيار اليقين بالمثل الشعبي الموروث "ضل راجل ولا ضل حيطة"بالرغم إن المثل كان يجسد السلطة الذكورية المطلقة في المجتمع الشرقي السوري إلا إنه كان عبئاً مضاعفاً يفوق قدرات الرجل الغير خارقة التي فُرضت عليه، فصفات الشجاعة والقوة والصلابة التي لا تنهار واسطورة مصدر الأمان المطلق للعائلة دوناً عن المرأة تنهار أمام فظاعة الحرب وبشاعتها وتتغير تلك الأدوار الاجتماعية المطلقة.
في تقرير أعدته مؤسسة ((DWالألمانية في إجابة للدكتورة هويدا طرقجي مفوضة شؤون المرأة في المجلس الأعلى للمسلمين عن ظاهرة الانفصال بين السوريين في ألمانيا التي استقطبت أكثر الأعداد من اللاجئين تقول"الهجرة أسهمت إلى حد كبير في إحداث التفكك الأسري بسبب طول فترة اجراءات لمّ الشمل" بالرغم إنها لم تنفي واقع استبداد الرجل وحجم العنف الممارس في حق المرأة في المجتمعات المسلمة، وكذلك ترى الدكتورة طرقجي بأن المرأة تبقى الضحية في كل الحالات وإن كانت مبادرة بطلب الطلاق"من السهل على الرجل إعادة بناء حياة جديدة لأن حضانة الأطفال ستقع على عاتق الأم وحدها وستكثر المسؤليات ولن تبني حياة جديدة بسهولة".

وتقول الاخصائية في الشؤون النسوية من" منظمة فراون كرايزة" في برلين في تقرير معد ل(DW)"تزايد حالات الطلاق لدى اللاجئات السوريات يعود للبطالة والجلوس في المبيتات الجماعية في فضاء ضيق وسبب هذا الكثير من المشاكل الزوجية والعنف والتي تعود غالباً إلى عوامل نفسية واجتماعية".
على سبيل المثال "عيشان" سيدة كردية من سورية عمرها 40 سنة استمرت بزواجها 16 سنة وهي امرأة متعلمة وعملت مديرة في مؤسسة تجارية، اختارت كالكثيرين الهجرة إلى بلد أوربي فاستقرت في النمسا مع أربعة أطفال، وقررت الانفصال عن زوجها بعد الوصول وحين سألتها عن السبب حدثتني بنبرة محملة بالقهر والألم: قراري لم يكن وليد نزوة ولم يكن سهلاً أبداً، لقد نفذ صبري فكل ماتحملته سابقاً في كفة و تجربتي في خوض رحلة السفر الغير شرعية مع المهربين طلباً للجوء في كفة أخرى، حين رفض الرجل مرافقتي مع الأطفال خوفاً على حياته من مخاطر الطريق التي عشتها مع أطفالي والتجربة صعبة ومريرة بكل ماتحمله الكلمة من معاني، وباعتقادي هذا السبب لوحده جعلني واثقة من قراري رغم وجود اسباب أخرى، كانت الفرصة الأخيرة لنا في استمرار الحياة الزوجية " تبا للعادات والقانون الذي يسحق كرامتي ويفرض علي زوجاً لم تعد تربطني به سوى عقد زواج" وبالرغم من أنني قمت باجراء لم الشمل واستقبلته مع الأطفال في المطار وسمحت لنفسي باليقاء معه ريثما حصل على الإقامة و بعد 6 شهور كان الوضع منتهيا، وأنا أعيش منذ ثلاثة سنوات مع أطفالي ولم أشعر بالندم لحظة واحدة، تعلمت اللغة والصعوبات كثيرة ولكن الحياة لن تتوقف، على العكس تمنيت لو أني كنت أكثر شجاعة واتخذت قراري هذا قبل عشرة أعوام .وتكثر القصص بالرغم من خصوصية كل حالة رغم التشابه في بعض الزوايا.

أما صبري رسول كاتب سياسي كردي-سوري يعيش في ألمانيا منذ سنتين وحسب رأيه "المجتمع الكردي رمل تزروه الريح" للأسف هناك الكثير من الناس يقدمون تنظيرات مزخرفة في هذه المسألة الشائكة دون الاعتماد على دراسات أو أبحاث اجتماعية بشكل علمي وأكاديمي، وينطلقون في رؤاهم على العواطف والانتماء الجندري.
فكل طرف يلقي أسباب المشكلة كظاهرة بدأت تستفحل ويتسع مداها على الطرف الآخر، دون الرجوع إلى دراسة بنية المجتمع الكردي الهشة أصلاً للوصول إلى نتائج سليمة. فالزواج الفاشل كان يستمرفي داخل الوطن لوجود مسببات تمنع الانهيار، منها خوف الطرفين من المجتمع ونظرته للطلاق، والوضع الاقتصادي للمرأة غير العاملة، وتأثير العائلة على كليهما. في المهجر اختلف الأمر تماماً، خاصة الوضع الاقتصادي، وذلك لوجود الضمان الاجتماعي للعاطل عن العمل وتخفيف تأثير الأهل، إضافة إلى اعتقاد الناس والمرأة خاصةً، وهذا خطأ طبعاً. الدولة الأوربية هي دولة القانون، الطرفان يخضعان له، وفيها يتحقق العدل، فمن الطبيعي أن يقوم الطرف الذي يشعر بالظلم والغبن بنسف العلاقة الزوجية.

لكن اتساع نطاق هذه الظاهرة كشف هشاشة العلاقات الأسرية، وبينت في الوقت نفسه أنَّ الأسرة الكردية-الخلية التي تشكل المجتمع-تتسم بضعف الرابطة فيها.والظاهرة شملت مختلف الفئات العمرية، والمستويات التعليمية، ولم تعُد مجرد زوبعة وقتية، وستترك آثاراً عميقة في تكوين الفرد والمجتمع الكردي في المهجر وعلى مدى عقود قادمة.

موضوع الانفصال بين الزوجين وبالرغم عن كل التعقيدات والمبالغة التي تطال هذه المسألة وارتباطه بسياقات اجتماعية وسياسية، وأيضاً قلة الأرقام الدقيقة والأبحاث المكثفة، فالمسألة تستحق تسليط الضوء عليها ليس فقط لما تسببه من تفكك في بنيان الأسرة، ولكن لأن الموضوع تحول إلى تحريض موجه ضد النساء وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شكل عنف كلامي أو حتى عنف جسدي يطال كيان المرأة حتى وصل الأمر لتوثيق بعض الانتهاكات التي تصور وتبث جرائم القتل على إنها "جرائم قتل بدافع الشرف".
وهنا نسأل هل المسألة مرتبطة بحق تقرير المصير في الحياة وانهيار حاجز الخوف وتغير الأدوار الجندرية والتي نتجت عن كل المتغيرات التي خلفتها الحرب في الوطن وبلاد اللجوء، أم هي رفض معلن لعقليات ترى بعين واحدة؟ .