عمر كوجري: البعثيون الكورد في سوريا.. وثقافة الاعتذار

عمر كوجري: البعثيون الكورد في سوريا.. وثقافة الاعتذار

لم يستلم حزب البعث سواءً في سوريا الذي يحكمها ولو شكلياً الى الآن بحكم كونها دولة العسس والمخابرات، أو العراق حتى سقوط بغداد وهدم صنم الطاغية صدام حسين السلطة عن طريق الانتخابات وصناديق الاقتراع، بل يمكن القول إنه اغتصب السلطة في كل من البلدين، واعتلى كرسي القيادة عن طريق الدبابة، فقد سيطر على الحكم في العراق 3 شباط 1963 وفي سوريا 8 آذار 1963.

وارتكب منتسبو كلا الحزبين في سوريا والعراق جرائم فظيعة بحقّ العرب والأمة العربية، قبل الشعوب الأخرى في البلدين، واتّسموا بالإجرام الذي وصل حدَّ الفاشية في ارتكاباتهم وجرائهم، لهذا كان حزب البعث ومؤسسوه يُظهرون إعجابهم بمبادئ الفكر النازي الهتلري في منطلقاتهم النظرية.

في التّركيز على البعث السُّوري، فقد انضمّ الكثير من المنتسبين الى صفوف البعث لأسباب لها علاقة بمصلحة شخصية بسبب الحظوة التي كان يتحلّى بها البعثي في التّوظيف، وتسلُّم المناصب العليا، ومنهم من انضمَّ بالإكراه خصوصاً في مرحلة الدراسة الإعدادية والثانوية، حيث كان البعثيون وعناصر الاستخبارات يُجبرون الطلبة على الانتساب، وكلُّ ممانعة كانت تلحق الأذى والاستجوابات الأمنية والاعتقال بالطالب أو بوالده، ولكن البعض استطاع التنصُّل من هذه الجريرة، وأذكر هنا "أجانب محافظة الحسكة" الذين لم يكونوا محبوبين من طرف هؤلاء، وحتى كانوا يُحرمون من حصة التدريب العسكري.

بهذا المستوى، انضمّ بعض الشباب الكوردي إلى صفوف حزب البعث، وكان لكلّ هؤلاء أسبابهم التي شابهت بعض أسباب باقي بعثيي سوريا، من مصلحة شخصية إلى الفوز بالحصانة والقوة "العائلية" الى ترهيب بعض الأقران، والحظوة الوظيفية، ووضع مسدس مرخّص على الخصر.

بعض هؤلاء وخاصة في الريف الكوردي حوّلوا حياة أهلهم وذويهم الى جحيم لا يطاق، فقد اشتغلوا إضافة الى بعثتيهم القذرة كعناصر رخيصة لمصلحة المخابرات، أو هكذا فهموا البعث بموجزه المنبني على إلحاق الأذى بالآخر، وتخويفه من اعتقالات واستجوابات المخابرات، والقليل منهم دخل هذا المستنقع البعثي بدافع "الوطنية السورية" والنضال لأجل حياة أفضل للشعوب السورية!!

كان هؤلاء رغم ولائهم المطلق لقيم البعث وترديد الشعار الخرافي بالأمة ذات الرسالة الخالدة، والأهداف التي لم تتحقق أي واحدة منها، رغم هذا الولاء فقد كان البعثيون العرب أو غيرهم ينظرون للبعثي الكوردي بعين الازدراء والحقد، وحتى الاستصغار لأن لا علاقة للكردي بهذا التنظيم الفاشي الذي يوضّح أنه "بعث عربي" وكلمة العربي كان يفترض أن تكون كافية ليبتعد عنها الكوردي أو غيره من الأرومات التي تكوّنت منها الشعوب السورية.

بعد الثورة السورية، وبسبب الشّراكة الكاملة للبعث السوري في جريمة أمينه القطري بشار أسد، ودعمه اللامحدود له، واصطفافه حوله رغم الفظائع التي ارتكبها رأسُ النظام وباقي أركانه، فقد انفضَّ العديدُ من البعثيين الشرفاء الذين لم يكونوا بقوّة وجلادة وشجاعة تمكّنهم للتخلُّص من القيح البعثي وهم داخل الوطن، وبعد خروجهم من الوطن- السجن بادروا الى نشر استقالاتهم من هذا الحزب، وبعض الباحثين والمثقفين الحقيقيين كتبوا مساهمات أعلنوا فيها مسامحتهم للسوريين عن الانتساب لـ "حزب البعث العربي الاشتراكي" واعتذروا "لكلّ سوريٍّ تعرّض للظلم أو السجن أو العنصرية بسبب هذا الحزب"!

ورأوا أن "الحل الوحيد كـسوريين يكمن عبر دولة مواطنة مدنية، يحترم دستورُها حقوق كل السوريين، حيث تؤمِّن الدولة حدودَ المعيشة المعقولة"
أما البعثيين الكورد في سوريا، فقد نجحوا بعد العام 2011 حينما تراخت قبضة البعث في مناطق كوردستان سوريا، نجحوا في القفز كالسعادين من ضفّة النّظام الى الضفّة الكوردية، فانخرطوا في الحركة السياسية الكوردية، بعضهم وبسرعة فائقة اعتلى المناصب الحزبية، وصار يزاود الشرفاء على قناعاتهم، ومن بقي داخل الوطن، صاروا مسؤولين "رفيعي المستوى" في وظائف الإدارة الذاتية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي، وأصبحوا يبزوّن المناضلين الكرد الأصلاء، وينعتونهم بقلة الهمة القومية، وأنّهم أي البعثيون هم الكرد الحقيقيون الأصلاء!!

وتجدر الإشارة إلى أن البعث طيلة الأزمة في كوردستان سوريا لم تهن عزائمُه، بل ينشطُ في كلِّ محفلٍ ومظاهرةٍ وذكرى ليعلنَ تأييدَه لرأس النّظام في دمشق.
أما آن للبعثيين الكورد في سوريا أن يعلنوا توبتهم، أو اعتذارهم عمّا اقترفت أياديهم من آثام وجرائم بحق أهلهم الكورد؟

ستطلّب هذا على الأقل من بعض الذين لا يقيمون الآن في "النّعيم البعثي" مثلهم مثل البعثيين العرب الشرفاء الذين ينظرون الى ماضيهم في هذا الحزب الفاشي بعين الخجل، ويدارون معصيتهم بعيون كسيرة.