لِماذا ولمصلحة مَنْ كل هذه الإختلافات الكردية السورية ؟!

لِماذا ولمصلحة مَنْ كل هذه الإختلافات الكردية السورية ؟!

لِماذا ولمصلحة مَنْ كل هذه الإختلافات الكردية السورية ؟!
نوري بريمو
9-4-2020

جرّاء التشرذم الذي يعرقل مسار الحراك السياسي الكردي في سوريا، يحق لأي مهتم بالشأن أن يتساءل: لماذا ولمصلحة مَنْ يتم افتعال وتعميق كل هذه الاختلافات في ساحتنا التي هي جزءٌ من الساحة السورية التي باتت مفتوحة على شتى الإحتمالات بعد إنقضاء تسعة أعوام على أزمتها التي أحرَقَتْ الأخضر واليابس وتكاد تؤدي إلى تقسيم البلد؟، أهو تضارب للمصالح الشخصية بين بعض المستفيدين أم أنه امتداد لثأرات قديمة يتم إيقاظها بفعل فاعل خارجي متربِّص بالكرد؟، أم أنها ظاهرة مرَضية ذات خلفيات غامضة؟!، أم أن قدَرَ معشر الكرد هو أن يبقوا ضائعين وغائصين في مستنقع نزاع دائم؟، وإلى متى سيدوم مسلسل تشرذم البيت السياسي في كردستان سوريا التي قد تذهب جغرافيتها هباءّ منثوراً في مهبّ رياح صفقات مغتصبي ديارنا وجحوشهم المنفلتين بلا رادع؟!.

بهكذا تساؤلات أردتُ أن أخوض في حيثيات هكذا موضوع شائك ومحيّر، فالخلافات الداخلية (الكردية – الكردية) التي أردنا لها مراراً أن تنتهي، قد إكتسبت الديمومة وصارت قابعة فوق صدورنا، خاصةً وأنّ حزب (PYD) يحلو له أن يغرِّد خارج السرب الكردي ويسلك سلوكا فوقياً ويفرض إلاهيته وحاكميته ومشروعيته على الآخرين، مما خلق ويخلق مزيداً من المعوِّقات والمخاوف على حاضر ومستقبل قضينا الكردية في ظل أجواء إستفراد طرف واحد بالسلطة وبقرار الحرب والسلم وإعتبار نفسه الحاكم المطلق والآمر والناهي والمعصوم على الأخطاء ويفرض العرفي ويُجيّش ويُجنّد كل شيئ لصالحه الخاص وليس العام ويحتكر السياسة والإدارة والإقتصاد والعسكر والمجتمع والتسلط على رقاب الجميع.

حقاً إنه لمن دواعي الأسف، أن يتم في هذه المرحلة الحرجة إستئثار أحد الأطراف بكل شيئ وكل شاردة وواردة، وهذا ما لم يحدث في ظل سلطات أعتى دكتاتوريات العالم، مما أدى ويؤدي إلى ازدياد هوّة الخلافات والمشاحنات السلبية داخل بيتنا المنقسم أصلاً على نفسه والمحتاج إلى إصلاح ذات البين وإعادة ترتيبه من جديد ووفق إتفاقيات جديدة يتم إبرامها عبر التفاوض وبرعاية بارزانية وأمريكية وتضع حقوق شعبنا فوق كل الإعتبارات وتضمن تنفيذ مضمون إتفاقيات هولير ودهوك وترضي طرفي المعادلة الرئيسيين المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب (PYD) وتنصف الأطراف الأخرى.

وإنّ الأمر الذي يدعو للقلق وينذر بالمخاطر هو أنّ هذه الخلافات باتت تتعمّق يوماً بعد آخر وتأخذ مداها الأفقي والشاقولي إلى درجة التشكيك بالآخر وتخوينه ومحاولة إلغائه، مما يبعث على عدم ارتياح كل الغيورين على حاضر ومستقبل قضيتنا وشعبنا وديارنا التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، ليس هذا فحسب بل وإن إستمرار إقصاء حزب (PYD) للآخرين قد أضحى جرحاً نازفا وأمراً مريباً ويبعث على الشكوك في ظل السماح لبعض الدول الغاصبة لبلادنا وخاصة لحكام دمشق وشركائهم ووكلائهم بالتدخل في مصيرنا المغموس بدماء وعرَقْ جبين أهلنا، ولعّل ما آلت إليه الأمور في عفرين وسري كانية وكري سبي بسبب صفقات إقليمية هو خير مؤشر على أنّ الوقت قد حان للوقوف في وجه هذه المخططات التي تستهدف وجودنا الجيوسياسي الذي بات في فاه المجهول.

وبهذا الشأن الحساس يمكننا القول بأنّ الأصل في إستمرار إنشقاق الكرد السوريين المبتلين بمختلف البلاوي هو أن هنالك طرفان رئيسيان متناقضان ويتسابقان للمقدرة على الإمساك بزمام الأمور والمبادرة في ساحتنا الممجوجة بمختلف السيناريوهات:
أولاهما: المجلس الوطني الكردي (ENKS) وهو يُمثل إتجاه قومي ديمقراطي كردي ويُجْهِر كرديته ويفكر بشكل لامركزي ويسعى صوب التلاقي والتوحيد والبحث الجماعي عن الحلول الممكنة لإنقاذ شعبنا من حالة التشتت والسير نحو تحقيق حقوقنا القومية المشروعة شريطة عدم الإعتماد على أية دولة غاصبة لكردستان.

ثانيهما: حزب (PYD) وهو يقود إتجاهاً ينشد لمشروع الأمة الديمقراطية ويفكر بشكل شمولي ويعتبر نفسه متجاوزاً للقومية وللكردايتي ويعطي الحق لنفسه بإمتلاك كامل الحقيقة وليس لديه أي مانع لجهة الإستقواء بأية جهة حتى ولو كانت دولة غاصبة لكردستان.

وبما أنّ واقع حالنا يسير وفق هذا المنوال التناقضي فمن الطبيعي جدا أن تنشأ الاختلافات في المواقف بين هذين الاتجاهين ومَنْ يلفُّ لفّ كل منهما، وبما أنّ تحقيق الوحدة "الكردية – الكردية" قد بات أمراً غير ممكن إنجازه في الأفق المنظور، فلا مانع إذاً والحال هكذا بأن يحتكم الطرفان لجادة صواب التفاوض وليس التوحيد ليشكلا معاً نقلة إغاثية من شأنها إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان لكي لا تتكرر تجربة عفرين وأخواتها، وهنا لا بد من التمييز ما بين ضرورة الأخذ بخيار التفاوض والحفاظ على التعددية السياسية، وبين مسار بقاء طرف يستفرد بالمصير ويسوق بقافلتنا إلى غياهب التنازع والفوضى والضياع الذي بات يطرق أبواب ديارنا، ولكنَّ هذا التفاوض الذي أضحى قضية رأي عام يُنشدها الشارع الكردي، لا يمكن أن يتم بالأقوال والوعود والتسويفات، وإنما بالأفعال وبتوفير الحد الأدنى من الثقة والمصداقية والخطوات العملية الكفيلة بإنجاح مثل هكذا حالات تفاوضية تجري بين اتجاهات مختلفة تعمل معا وتحتك فيما بينها في ساحة واحدة، إلى جانب ضرورة الإيمان بالشراكة الحقيقية كسبيل للوصول إلى توافق حقيقي يوفّر الحماية والبقاء لشعبنا ويلبي طموحاته القومية المشروعة.