النظام السوري وصفقة بيع عفرين

النظام السوري وصفقة بيع عفرين

النظام السوري وصفقة بيع عفرين
نوري بريمو
لا أُخفي عليكم بأنني تردّدتُ كثيراً قبل أنْ أكتب هذه المقالة خوفاً من إتهامي وتخويني من قبل البعض، حول الصفقة المؤامراتية التي أبرمها النظام السوري وأسياده الروس والإيرانيين في مزادات مؤتمر سوتشي مع تركيا التي طالبتهم بأن يتخلوا عن حزب (PYD) وأن يسمحوا لها بتدمير ترسانته العسكرية في منطقة عفرين وتسليمها إلى "المعارضة السورية العربية السنية"!، وبمقابل ذلك ومن جانبها تخلَّتْ تركيا عن هذه المعارضة في ريفيّ إدلب الشرقي والجنوبي ووعدتْ بتوفير الأمان لمحافظات الساحل العلوية المتحوِّلة حالياً إلى منطقة نفوذ روسية وأيضاً وافقت على إعادة طريق (حلب – اللاذقية) وطريق (حلب - دمشق) للنظام شريطة السماح لتركيا باستكمال حملة ملاحقتها لحزب (PYD) وضم باقي المناطق الكردية مثل سري كانية وتل أبيض ومايزال الحبل على الجرار ليشمل كوباني والجزيرة.
ولعلّ إنسحاب الجنود الروس من معسكر كفرجنة بعفرين قبل أيام قليلة من تنفيذ الصفقة وإمتناع النظام السوري عن إسعاف وكيله حزب (PYD) رغم رجاءات ومناشدات الأخير له بالقدوم لإنقاذه من الورطة ولحفظ مياه وجهه، قد أوحى إلى وجود ثمة هدنة أخرى بين النظام السوري وتركيا وبإشراف روسي تقضي بإعادة إحياء وتوسيع نطاق إتفاقية أضنة الأمنية التي أبرمها البلدان في عام 1998م والتي تم بموجبها طرد عبدالله أوجلان من سوريا وزجّ أتباعه في السجون السورية وإزالة خطرهم على إمتداد الحدود السورية التركية.

ورغم أنّ لسان حال الشارع العفريني قد قدّم المشورة لحزب (PYD) في خضّم معاركه الخاسرة في تلك المنطقة التي ذاقت الأمرّين وناشده حينها بالإعتراف بالهزيمة وسحب مقاتليه من الساحة قبل فوات الأوان وحقناً لدماء الشباب الكرد وحفاظاً على سلامة الأهالي ولضمان بقائهم في ديارهم درءاً لحصول كارثة إنسانية وسياسية، إلا أنّ (PYD) رفض تلك المشورات وخوّنَ أصحابها وإستمر في مواجهاته الغير متكافئة حتى إنهزم بالفعل وحصلت الكارثة ووقع الفأس في رأس عفرين التي خسرت آلاف الشهداء من بناتها وأبنائها وتهجّر قرابة نصف مليون من أهلها الكرد الذين هُجِّروا من ديار آبائهم وأجدادهم قسراً ليحلّ محلّهم أناس عرب وليجروا فيها تغييراً ديموغرافياً بموجب تلك الصفقة التي أبرمها هذا النظام الشوفييني والطائفي الذي أراد التخلّص من خطر وجود عشرات الآلاف من العوائل العربية "من الطائفة السنية" في ريف دمشق وغوطتها والأرياف الشرقية لحمص وحماه وفي باقي تخوم المناطق العلوية، وقام بنقلهم وإسكانهم في عفرين الكردية التي تم تعريبها بالتنسيق مع تركيا.

وبهذا الصدد فإنّ من حق الرأي العام العفريني أن يدين النظام السوري ويتهمة بجريمة التخلّي عن عفرين كإحدى حلقات مسلسل إنحطاطه وتخاذلاته وتنازلاته لغير السوريين وتخليه عن كل شيئ وإستقوائه بالغرباء لضمان ديمومة بقائه في السلطة حتى لو أحرق أخضر ويابس هذا البلد الذي بات مقسّماً فعلاً وموزّعاً بين هذه الجهة الإقليمية وتلك الدولية.

وفي الختام وبالرغم مِنْ كل ما قد يُقال عني بسبب إبدائي لهذا الرأي الشخصي الذي قد يُزعج البعض، وبما أنّ عفرين قد تم إلحاقها بجغرافية تركيا على غرار ما حصل لمناطق إعزاز والباب وجرابلس وتل أبيض وسري كانية، وبما أنّ هذا الواقع قد لا يتغير في الأفق المنظور الذي قد يمتد لعقود زمنية أخرى لأنه ليس بمقدور أية جهة أو أي كائنٍ منْ كان أن يفعل أي تغيير يُذكَر في هكذا صفقات، وبما أنّ السياسة هي فن الممكن والمتاح وكيفية التعامل الديناميكي مع المستجدات كما هي عليها وليس كما كنا نتمناها، فإنه لا خيار أمام العفرينين سوى الإحتكام للغة المنطق والقبول بهذه الحالة كأمر واقع والإبتعاد عن مسلكية التجييش وعسكرة الحلول والكف عن إطلاق الشعارات الثورجية "التحريرية" كالتي لجأ إليها النظام السوري بعد ضم اسرائيل للجولان وضم تركيا للواء اسكندرون، ولعلّ التحليّ بالتهدئة والبحث عن الحلول السلمية هو خيارٌ وقائي لا بديل عنه ومن شأنه إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال مطالبة تركيا وحثّها على أن تتحمّل مسئوليتها كدولة في هذه المنطقة المُلحَقة بها بهذا الشكل أو ذاك، وذلك عبر إعادة توفير الأمن والإستقرارفي ربوعها وإخراج كافة الميليشات المسلحة المتسلطة عليها وتسهيل عودة نازحي عفرين إلى ديارهم، وفي كل الأحوال ينبغي أن يكون التعامل العقلاني والواقعي مع هذا الملف هو سيد الموقف لدى أهالي عفرين الأصلاء الصامدين في ديارهم رغم رداءة أحوالهم، وأخيراً وليس آخراً لي بالوسع سوى الرجاء ثم الرجاء مِنْ بعض الأغراب الذين هم بعيدون كل البُعد عن تلمُّس جراحات عفرين لأنهم ليسوا من مواطنيها وخاصة مِنْ مَنْ ليس لهم لا ناقة ولا جمل ولا شجرة زيتون ولا عقار ولا شبر أرض ولا حتى نبتة فيها، بأن يتركوا هذا الشأن لعفرينيو الداخل المتمسكون بأرضهم والمدافعون عن عرضهم والمبرهنون لوطنيتهم، وذلك على مبدأ "أهل مكة أدرى بشعابها" أي أنّ أهل عفرين أدرى بشؤونها ومراعاة مصالحها وتدبير أمورها وسوقها نحو الأفضل والإنفراج، وفهمكم كفاية يا كل مَنْ تحشرون أنوفكم فيما لا يخصّكم.