تركيا ..مراهنات على الحرب الأوكرانية

تركيا ..مراهنات على الحرب الأوكرانية

تركيا ..مراهنات على الحرب الأوكرانية
شريف علي
تركيا ورغم كونها تمتلك ثاني اقوى جيش ضمن منظومة حلف الناتو لكنها لا تزال على مسافة اكبر من اية دولة اخرى عضو في الحلف المذكور فيما يتعلق باستراتيجية الحلف والنقطة الأعمق لمصادر القرار مما يجعلها تبحث دوما عن كل ما يتيح لها امكانية استغلاله على صعيد المسائل التي تعني الناتو أو الإتحاد الأوربي ككل، ذلك لتمرير المسائل ذات العلاقة المباشرة بوضعها وشؤون سياساتها الداخلية والإقليمية.

الموقف التركي هذا بدا يطفو على سطح الحدث الإقليمي مع إطالة أمد الحرب الروسية ضد أوكراينا وتصاعد وتيرة حدة المعارك مع ارتفاع مستوى تقنية الأسلحة المستخدمة سواء من الجانب الروسي أو ما يقدمه الناتو للجيش الأوكرايني ، المترافق باتساع جبهة المواجه الإقتصادية بين روسيا من جهة والدول الغربية ومعها أوربا وأمريكا واليابان من جهة ثانية ،لتبقى تركيا دون ان يوقفها إنشغال العالم بالمأساة الأوكراينية وتداعيات الصراع الدائر هناك على الأمن الغذائي العالمي وأزمة الطاقة الأحفورية في العالم جراء حزم العقوبات الغربية على المنتجات والشركات النفطية الروسية ،بل تسعى بكل ما في وسعها لتمرير أجنداتها في المنطقة خاصة ما يتعلق منها بالقضية الكوردية التي تري فيها التهديد الأكبر لمستقبل الدولة التركية بحكم درايتها بخفايا الصراع الغربي الروسي المحتدم في أوكراينا والشرق الأوسط والخطط الموضوعة للمشروع المستقبلي للمنطقة المتجسد في إعادة رسم خارطة جديدة لها يستند على اسس مغايرة لما استندت عليها اتفاقية سايكس بيكو في بدايات القرن الماضي والتي تطلب استمرارية العمل بها فرض دكتاتوريات عسكرية على الشعوب التي تجزأت ضمن أطر كيانات محدثة تنافي التوزع على أية اسس ، وهي ما باتت نقطة ارتكاز للسياسة الغربية تجاه المنطقة والثغرة التي من خلالها يمكن العبور إلى شرق أوسط جديد محدد بخارطة جديدة لدول المنطقة .

هذا ما يدفع بالدولة التركية الى الخوض في غمار المراهنات على الصراعات الدائرة بين الغرب من جهة وروسيا وتبعاتها من العقبات في المنطقة من جهة اخرى لضمان الخروج باقل الخسائر إن لم يكن هناك ربح ،فعلى الصعيد الأوكراني استغلت صلاحياتها في شرط انضمام اية دولة الى حلف الناتو كورقة ضغط على الحلف بمنع انضمام السويد وفنلندا الى اليه بشروط يعلمها الغرب بانها ليست سوى مطالب لا تخدم سوى الحزب الحاكم في تركيا المتجه نحو الانتخابات البرلمانية في البلاد ، وهو ما يمكن تجاوزه مقارنة باهمية انتزاع الموافقة التركية بانضمام السويد وفنلندا الى الحلف في ظل الصراع مع روسيا على الساحتين السورية والأوكراينية إن كان من جهة رفع الحظر الأمريكي المفروض على تطوير وتسليح ترسانتها العسكرية ، أو إطلاق يدها في الأزمة السورية ، وهو الأمر الذي يجعل أي إجتياح تركي جديد لمناطق كوردستان الغربية وإحتلالها بضوء أخضر غربي غير مستبعد حسب التأكيد الذي تضمنه البيان الصادر عن مجلس الأمن القومي التركي مؤخرا بموافقته على ما اسماه العملية العسكرية داخل سورية ،إلى جانب ما تشهدة الساحة السورية من تغيرات ميدانية مع الإنسحابات الروسية من العديد من المناطق وتسليمها للميليشيات العاملة لحساب الحرس الثوري الايراني بشكل أو بآخر، خاصة إذا علمنا أن هذه المسألة تتغلق بمطلب تركي يأتي في رأس قائمة المطالب التركية التي اعتبرتها تركية شروطا رئيسية للموافقة طلب انضمام كلا من السويد وفنلندا للحلف ، ألا وهو تأمين ما تراها تركيا الحدود الجنوبية لها وذلك بإبعاد عناصر حزب العمال الكوردستانيPKK وتلك السورية العاملة بامرتها من المنطقة الحدودية لمسافة لا تقل عن 30 كيلو مترا،بما يسهل المهام التركية في تنفيذ مشروعها الإستيطاني والتغيير الديموغرافي للمناطق الكوردستانية .
.
ارتدادات الأزمة الأوكرانيّة في إقليم كورستان
لأول مرة ،وفي سابقة هي الأولى من نوعها، يتم استهداف إقليم كردستان ( قصف اربيل) بشكل مباشر من العمق الإيراني، ويتبنى الحرس الثوري الإيراني لهذه العملية وبشكل مباشر، حيث تدّعي طهران أن هذا القصف موجه نحو (مقرات اسرائيلية) داخل الإقليم، و الاستهداف شمل القنصلية الأميركية في أربيل وقناة كوردستان 24 ونقاط أخرى ، والمستنتج من هذه التطورات هو رسائل إيرانية مباشرة لقادة إقليم كوردستان، وهذه الرسائل مرتبطة بشكل مباشر بالصراع القائم على أوكرانيا وارتداداتها الدولية والإقليمية، واشنطن بدورها حشدت حتى الآن جميع حلفائها وأوراقها ضد موسكو في كل أصقاع العالم ، الأخيرة وجدت نفسها في مأزق حقيقي داخل أوكرانيا فحاول وزير الخارجية سيرغي لافروف في بداية الامر تهديد الناتو بالورقة النووية ولم يجدي نفعاً واليوم يوجه رسائل مختلفة ومن نوع آخر من خلال حليفتها إيران إلى أربيل ، قادة الإقليم يقرأون هكذا رسائل سياسية بشكل جيد ويتعاملون معها بحنكة سياسية وهدوء وعقلانية.

اما لماذا أربيل، فيمكن لأنها الحلقة الأضعف في الصراع الدولي على أوكرانيا ولأن هذه المدينة يتواجد فيها العديد من المقرات وأكبر قنصلية أمريكية في الشرق الأوسط، ولما تتمتع بها هذه المدينة السالمة من علاقات حسن الجوار مع أنقرة، والتنسيق المشترك حيال العديد من القضايا فيما بينهما التي تهم المنطقة ، أما الجانب المظلم لهذه القضية ، وهو أن قصف أربيل جاء بعيد وصول وفد أمريكي رفيع المستوى إلى أربيل برئاسة السفير ماثيو تولر، وضم كلاً من قائد قوات التحالف في العراق وسوريا الجنرال جون برينان، ونائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون العراق وإيران جينفر غافيتو، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وسوريا ولبنان والأردن السيد إيثان غولدريتش، والقنصل العام الأمريكي لدى أربيل السيد روبرت بالادينو وعدد آخر من المسؤولين، ومن هنا يعتقد الساسة في طهران أن هذه الاجتماعات قد تمخضت عنها اتفاقيات سرية وخفايا وهي غير مطلعة عليها ناهيك عن وصول رئيس الإقليم ( نيجرفان البارزاني ) منذ يومين إلى أنقرة ومناقشة الوضع مع أردوغان وعلى (بساط أحمدي )، عموماً طهران تراقب الوضع داخل سوريا والعراق عن كثب ووجهت عدة رسائل إلى واشنطن من خلال أربيل، وتعتقد أنها حققت المغزى منها.

قادة الإقليم على الدوام رفضوا أن ينخرطوا في صراعات عسكرية في الشرق الأوسط، واتخذوا موقف حيادي تجنباً للانزلاق في أزمات لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، كما أنهم يرفضون وبشكل قاطع أن يكونوا أداة حادة بيد طهران موجهة ضد أنقرة أو واشنطن أو حتى دول الخليج العربي ، لهذا السبب يتم استهداف الأمن والاستقرار داخل هذه البقعة الجغرافية (كل ما دق الكوز بالجرّة ) ناهيك عن محاصرتها من قبل المحور الإيراني وادواته في المنطقة .
الخلاصة : ارتدادات الصراع على أوكرانيا ستتمدد على الأغلب في الكثير من البقع الجغرافية في العالم، وأربيل من أهم هذه المناطق الساخنة التي يمكن أن تشهد فيها التوترات، إقليمياً، يمكن أن يتم تحريك ورقة الحوثيين ضد رياض وأبوظبي، تحريك حزب الله في جنوب لبنان ضد تل أبيب ، وتحريك حزب العمال الكردستاني ضد إقليم كوردستان و تركيا ، هذا الاحتمالات واردة جداً والأبعد من كل هذا، واشنطن حتى اللحظة غير جادّة بالدفاع عن حلفائها في المنطقة وجميع المعطيات والوقائع على الأرض تشير إلى أنها فشلت بسياستهما الخارجية في الشرق الأوسط وخاصةً ما بعد 2011، فمثلاً، تسليم العراق إلى إيران على طبق من ذهب، ومنطقة شرق الفرات داخل سوريا إلى حزب العمال الكردستاني، كما تركت الخليج رهينة للصواريخ الحوثية دون أن تتحرك، والانسحاب غير المبرر من أفغانستان كل هذا وبغض النظر عن الأسباب جعلتها تفقد مصداقيتها لدى الأوساط الشعبية والسياسية في المنطقة.

بالمحصلة، بات جلياً أن الصراع على أوكرانيا سيمتد نطاقه ليشمل جبهات أخرى، والحلقة الأضعف ستشهد فيها توترات خطيرة، وستمتد نيرانها لتشعل المنطقة برمتها، والروس بدورهم تنتهي حدود أطماعهم وحروبهم بانتهاء مصالحهم في الشرق الأوسط ، ويبدوا أنهم حسموا أمرهم وقرارهم بالهيمنة على اوربا من خلال بوابة أوكرانيا ولارجعة فيها، والشرق الأوسط بات اليوم على صفيح ساخن ورهينة بيد المحور الإيراني - الروسي يدفع ثمن تخاذل واشنطن في سوريا والعراق وتسليم ملفها إلى الروس وجعلهما لقمة سائغة للميلشيات الإيرانية في المنطقة، و بناءً على ما تم ذكره ، على قادة البيت الأبيض أن يدركوا أن مصداقيتهم ضُربت في الشرق الأوسط وأفغانستان، وحتى داخل أوكرانيا ،واليوم هذا الشعب المسالم يدفع الفاتورة بمفرده ، ومنذ الآن فصاعداً لن يدافع أحد عن استفراد واشنطن في قيادة العالم مالم تقم بدورها و بواجباتها اتجاه شعوب المنطقة وتساعدهم بتحديد مصيرهم ومستقبل أبناءهم وإنقاذهم من الأنظمة الدكتاتورية التي تسلطت على الحكم بانقلابات عسكرية، ووضع حد للهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط ومنعها من التلاعب بمصير المنطقة ودفعها نحو الفوضى الخلاقة ، ويجب العمل على قصقصة أظافر "بوتين " داخل سوريا،ومنعه من احتلال اوربا العجوزة ولإن حدود أطماع موسكو تنتهي بانتهاء مصالحها في العالم ، وربما يأتي يوم تخرج فيها الأمور عن السيطرة ستكون له نتائج لا تحمد عقباها.