هل تعود العلاقات التركية الأمريكية الغربية إلى مسارها الصحيح؟

هل تعود العلاقات التركية الأمريكية الغربية إلى مسارها الصحيح؟

هل تعود العلاقات التركية الأمريكية الغربية إلى مسارها الصحيح؟
وما تأثيرها على الملف السوري؟
د. عبد الحكيم بشار

كونها عضواً في حلف الناتو، وثاني أقوى جيش فيه، كانت تركيا تحظى باهتمام كبير من قِبل أمريكا والغرب، وخاصة في مرحلة الحرب الباردة، وقد تراجع هذا الاهتمام نسبياً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كما تراجع الاهتمام الأمريكي الغربي بصورة ملحوظة في حكم الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان الذي عزَّز استقلال القرار السياسي والسيادي لتركيا، حيث حققت تركيا في عهده نهضة اقتصادية كبيرة.

على الرغم من عمليات الشد والجذب بين تركيا والكتلة الغربية إلاّ أن العلاقات بينهما لم تخرج عن مسارها الصحيح، حيث سعت تركيا إلى البحث عن الكثير من الخيارات للحفاظ على استقلالية قرارها ودعم اقتصادها وتوجهها نحو الدول العربية والإسلامية ونحو الشرق بوجه عام.

باتت المساحات التي تتحرّك فيها تركيا أوسع من ذي قبل، وترافق الخيارات التركية تلك ازدياد الضغوط الأمريكية عليها في مسعىً منها لإبقاء تركيا في خانة الحلف الغربي فقط والذي تقوده أمريكا، وكانت حادثة إسقاط الطائرة الروسية في 24 تشرين الأول عام 2015 من قِبل تركيا على خط الحدود السورية التركية علامة فارقة في علاقات تركيا مع الغرب.

إذ تعرضت تركيا عقب إسقاط الطائرة الروسية لتهديد جدّي من قِبل روسيا مع عقوبات اقتصادية صارمة، بينما وقف حلفاء تركيا المفترضون في حلف الناتو متفرجين إزاء الحادثة، وتركوا تركيا وحدها في مواجهة الروس، الأمر الذي أدى إلى اهتزاز ثقة الرئيس أردوغان بحلفائه المفترضين، وبدأ من حينها يُعيد النظر في حساباته وعلاقاته.

لقد تحسنت علاقات تركيا مع روسيا بعد سنة، وانتهت القطيعة بينهما، رغم أن الطرفين الصديقين (الخصمين) قد أسسا للعديد من المسارات في سوريا، منها مسار أستانا الذي بدأ عام 2017 حيث وصل إلى عشرين لقاءً، وتحقق من خلاله تشكيل أربع مناطق خفض التصعيد بسوريا، ومسار سوتشي عام 2018 والذي تكلل بإنشاء اللجنة الدستورية وكذلك الأمر صفقة شراء صواريخ S400 إضافة إلى استدارة تركيا نحو الانفتاح على النظام السوري من خلال لقاءات وعقد ورشات تقنية بين رؤساء الأفرع الأمنية، والتي انتهت بلقاء وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران وسوريا.

مع ازدياد التقارب التركي الروسي تراجعت العلاقات التركية مع الكتلة الغربية، ورغم العلاقات التركية الروسية الجيدة والصداقة التي جمعت بين الرئيسين أردوغان وبوتين إلاّ أن تناقض مصالح الدولتين ونمط تفكيرهما كان واضحاً جداً، فتركيا وروسيا كانتا على طرفَي نقيض في أكثر المناطق سخونة سواء في سوريا أو ليبيا أو في الصراع الآذري الأرمني، الأمر الذي يؤكد أن العلاقة بين الطرفين غير راسخة، ومن الصعب جداً أن تكون راسخة لأسباب متعددة تحتاج إلى مقال آخر.

على الرغم من التوتر الكبير بين تركيا والكتلة الغربية إلاّ أن ما يجمع الطرفين هو أقوى وأكثر مما يفرقهما، ولا شك أن محاولات التطويع الغربية لتركيا لن يزيد إلاَّ من عمق الشرخ بينهما، لذلك يبدو أن الطرفين، وبحكم المصلحة المشتركة لبلديهما والمخاطر المشتركة وقضايا أخرى منها إستراتيجية الموقع التركي جغرافياً وقوته العسكرية والسياسية والاقتصادية، ورغم التراجع الحاد في سعر صرف الليرة التركية إلى جانب دور تركيا الإقليمي القوي جداً، فكل ذلك يوفر للغرب ما لا توفّره أية شراكة أخرى.

بناءً عليه، فمنذ أسبوع أخذت العلاقة بين الطرفين تشهد تحسناً ملحوظاً، منها تسليم مقاتلي آزوف الموجودين في تركيا للرئيس الأوكراني، وموافقة تركيا على انضمام السويد الدولة المجاورة لروسيا بشكل نهائي لحلف الناتو، ما يشير إلى أن تفاهمات عميقة بين تركيا والكتلة الغربية قد تغيّر التوازنات في المنطقة ومن ضمنها الملف السوري.

حيث أن حوالي نصف أراضي سوريا خاضعة لنفوذ تركيا وأمريكا بشكل منفصل، الأمر الذي قد يسرّع بإحداث تغييرات عميقة في الملف السوري، ظهر ذلك جلياً يوم أمس على لسان المندوبة الأمريكية الدائمة في مجلس الأمن في تحدٍ واضح للفيتو الروسي الذي منع تجديد القرار الخاص بإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وقد أكدت المندوبة الأمريكية تصميم الإدارة الأمريكية بعدم الرضوخ للفيتو الروسي، والتي سبقتها أحداث متفرقة في الأيام الماضية، حيث لوحظ حصول توتر شديد بين روسيا وأمريكا في سوريا، الأمر الذي يشير إلى إمكانية حدوث تغيير جذري غير بعيد في المواقف تجاه سوريا، والتي قد تساهم في إنهاء معاناة الشعب السوري التي استمرت لاثني عشر عاماً.

المقال يعبر عن رأي الكاتب