من يزرع الكراهية؟؟

من يزرع الكراهية؟؟

من يزرع الكراهية؟؟
شريف علي
الراهب الفرنسي ايريك كروسيه وفي كتاب له صدر عام 1623م تحت عنوان /le nuveau cyne'e/ يقول أن من بين أسباب الحروب التي تنشب بين الشعوب هي كراهيتها لبعضها البعض ، ويعيد بدور تلك الكراهية إلى أسباب عديدة من أهمها التعصب الديني ، وجهل الشعوب لنظم الشعوب الأخرى وتقاليدها وأساليب حياتها ، ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا شهدت البشرية حروباً وصراعات أشد قسوة وتدميراً من سابقاتها ، وأودت بحياة مئات الملايين من البشر ، وإذا كان الراهب الفرنسي قد ذكر بعضاً من الأسباب فإنها باتت في العصر الحالي مضاعفة ومتشابكة ، وباتت هناك جهات ومؤسسات وأنظمة متخصصةبخلق وتوفير الأسباب التي من شأنها تكوين بيئات لإنعاش الكراهية ذاتها وزرع الحقد ورفض الآخر بين الشعوب .

فاللوحة المأساوية التي دعا ، ومنذ ذلك العهد إلى الوقوف في وجهها أصبحت أشد قتامة في عصرنا في ظل تراكم التناقضات العالمية لخدمة مصالحها دون الآخرين ومراعاة لمصالح شعوب العالم،مما يقودنا إلى المعادلة بأن الحكومات والأنظمة والسلطات المهيمنة على الشعوب بشتى الأشكال تعتبر العالم الرئيسي في زرع وتأجيج الكراهية بين الشعوب التي تصبح مدفوعة إليها رغماً عنها .دون أن تدرك مخاطر هذه الظاهرة وتداعياتها على مستقبلها نفسها .

هذا ما يدعوا إلى ضرورة البحث فيها ، ومخاطر انتشارها والتصدي بشتى الوسائل لآليات والسبل التي تسلكها للتفشي.

تعتبر الكراهية بحد ذاتها حالة من الشعور الحاد المتسم بالقساوة والعدوانية تجاه الآخر فرداً أو جماعة بالاتجاهين ، مستندة في ذلك على مزايا قد تكون موجودة أو مختلفة وملصقة بجهة ، يراها الآخر عيباً ونقصاً أو هدفاً لا يمكن إزالته إلا بإزالة الآخر كلياً واجتثاثه من المجتمع، بغض النظر عن الوسيلة التي تكفل ذلك حتى لو كانت كارثة أو جرائم بحق الإنسانية من وجهة نظر الأعراف والمواثيق الدولية ، لكن عندما تتجاوز تلك الحالة الشعورية إلى درجة التبشير ودعوة الآخرين إلى ممارسته بحق الآخرين عندئذ تكون أمام ظاهرة أكثر خطورة من حالتها الاولى وهي حالة / الخطاب الدعووي /.

الذي يوصف بخطاب الكراهية ، والذي يكون بمثابة منتوج صناعي يهدف أصحابه لبناء امبراطوريات استبدادية، أداتها الفعالة ذوي الأفكار المسمومة المشبعة بروح العنصرية البغيضة والكراهية والأكاذيب بغية تعميق الشروخ وخلق أخرى اكثر عمقا وتاثيرا بين مكونات المجتمع الواحد من مختلف الجوانب العرقية والدينية والمذهبية وخلق وسط جماهيري ذليل يركع لإرادة تلك النخب الفاسدة الساعية لإستمرارية هيمنتها واستجرار طاقاتها وامكاناتها وثروات تلك الجماهير من خلال دفعها إلى الاقتتال والتناحر فيما بينها ، بما يعطل جميع القوى الفعالة في المجتمع وأية دعوة تنطلق من هنا إو هناك بهدف وضع حد لمآسي المجتمع وإيقاظ روح التآلف والتسامح والتصدي لخطاب الكراهية بصفتها وباء فكري ينهش بجسد المجتمع ويفككه ويجعله فريسة لعصابات مستبدة ، فإنها تعتبر دعوات التمرد على السيد المستبد وجناية بحق المجتمع تندرج في خانة قمع حرية الرأي والتعبير وإفساد المجتمع الذي يسعى إلى تطهير ذاته .

ولمواجهة الحالة الناشئة والتي لاقت رواجاً على المستوى العالمي عموماً وفي الشرق تحديدا لابد لقوى التغيير والساعية إلى بناء مجتمع ديمقراطي حر، يتمتع فيه الفرد والجماعة بحقوقه كاملة ، من التمييز بين خطاب الكراهية ، وحرية التعبير ووضع الأسس والضوابط الناظمة واتخاذ مبادرات أساسية لذلك والتي أساسها احترام الآخر والإقرار والترحيب بحقوقه ورفض كل ما من شأنه التمييز والتفرقة المبنية على أسس كاذبة ومختلقة لتمرير أجندات تبرر الاستبداد والتسلط ، إضافة إلى التأكيد على الفروق المميزة لكل جماعة والقبول بها وبحقوقها التي يحفظها لها الأعراف والمواثيق الدولية التي تنبذ القسرية في التعامل الإجتماعي، وعدم القبول بأي شكل من أشكال ومحاولات الصهر القومي والديني بالإكراه لمكونات المجتمع وتحت أي حجج واهية ليست سوى نتاج إيديولوجيات اثبت التاريخ المعاصر فشلها لاسيما في ظل العلاقات الدولية القائمة.